التّلاحم..»سلاح» الجزائريّين لتخطّي الأزمات

كورونا يُحرّك آلة التّضامن..ويدفع منظومة الصحة للتغيير

صونيا طبة

مساعدات إنسانية وتبرّعات..بشعار «اليد في اليد»

 

أبانت أزمة كورونا على الالتفاف الشعبي القوي والهبة التضامنية الواسعة بين الجزائريّين عندما تشتد الصّعاب والمحن، وتجسّدت قيم التآزر والتلاحم في أصعب ظرف مرّت به البلاد من خلال الأعمال الإنسانية النبيلة، ووقفات المساندة مع المعوزّين والمتضرّرين ومبادرات الكوادر الطبية التطوعية لتشخيص وعلاج المرضى مجانا، وحملات تطهير الشوارع والساحات العامة للمساعدة على مواجهة الجائحة والتصدي لمخاطرها.
«الشعب ويكاند» نقلت بعض الجوانب الايجابية من فيروس كورونا الذي فجّر روح التكافل في الجزائر، وترجم تشبّع أبنائها بالقيم الأصيلة المبنية على روابط الألفة والتضامن بينهم، وتزداد شدّتها كلّما حلّت ضائقة تحت شعار «اليد في اليد لتخطي جميع الأزمات وإيصال البلاد إلى برّ الأمان»، وتبقى الصور المشرفة التي رسم تفاصيلها متطوّعون في مختلف المجالات شاهدة على أنّ التلاحم في الأوقات الصعبة هو سلاح الجزائريين، الذين في كل مرة أثبتوا حبّهم الكبير للوطن ووضعه قبل كل شيء.
ولم تقتصر الهبات التضامنية على الجزائريين داخل الوطن فقط بل امتدّت لتشمل حتى المغتربين المتواجدين في دول أخرى، الذين لم يتوانوا في تقديم يد المساعدة لأبناء جلدتهم ممّن وجدوا أنفسهم عالقين في بلدان أجنبية نظرا للإجراءات المتخذة من قبل الحكومة والتي مست غلق المجال الجوي، الأمر الذي جعلهم غير قادرين على العودة للجزائر إلا بعد عدة أشهر في إطار عمليات الإجلاء، ولكن الكثير منهم أكّدوا وقوف الجزائريّين المقيمين الى جانبهم قدر استطاعتهم خاصة في شهر رمضان، فمثلا في تركيا سعى أبناء الوطن المقيمين باسطنبول إلى جمع تبرّعات مالية لتسديد مبالغ كراء الفنادق للعالقين حتى لا يبيتوا في العراء، بالإضافة إلى تأمين المواد الغذائية لهم والحاجيات الضرورية.

مبادرات تطوّعية تجسّد مقولة «الأزمة تلد الهمّة»

بمجرد دخول الجزائر في حالة طوارئ بعد تفشي الوباء من ولاية الى أخرى، وتزايد عدد الإصابات بصفة تدريجية، سارع الكثير من رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الاقتصادية وسياسيين لتقديم المساعدة للدولة ضمن المبادرات الرامية لمواجهة الفيروس ووقف انتشاره، مجسدين مقولة «الأزمة تلد الهمة «، فهناك من قاموا بالتبرع بأجرهم الشهري، من بينهم نواب البرلمان وحتى الضباط العمداء والسامين للجيش الوطني الشعبي الذين قرروا دفع شهر من رواتبهم في حسابات التضامن «كوفيد-19»، التي كانت مفتوحة لهذا الغرض، بالإضافة إلى رجال أعمال فضلوا استغلال مؤسساتهم للمساعدة، وهوا ما قام به رئيس مجمّع فنادق AZ الذي قرر فتح هياكله الفندقية أمام الأطباء والمغتربين القادمين من الخارج لاجتياز فترة الحجر الصحي المفروض عليهم.
ومن بين أبرز الأعمال الإنسانية التطوعية في عز الأزمة، ما قام به مواطن من أبناء ولاية باتنة الذي تبرّع بصهريج لتوفير الأوكسجين لفائدة المؤسسة العمومية الاستشفائية، «سوناطوريوم» بباتنة باعتبارها الهيئة الطبية الرئيسية لمعالجة المصابين بفيروس كورونا، حيث تضم أكثر من 120 سريرا خصّص لعلاج المصابين بالوباء، علما أن القيمة المالية لخزان سعته 3600 متر مكعب بلغت قرابة 1.2 مليار سنتيم.
يذكر أنّ محسنا آخر رفض الكشف عن اسمه، استجاب لنداء رئيس بلدية سابق ومجموعة من رجال المال في بداية انتشار فيروس كورونا، وتبرّع بحمولة شاحنتين متوسطتي الحجم من مختلف الوسائل الطبية والعتاد منها ثلاجات تبريد لحفظ المياه والأدوية وألبسة واقية بعد تطور الوضع الصحي في تلك الولاية.
كما كانت جمعية «جزائريون متضامنون بفرنسا بالتنسيق مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين السباقة في تقديم التبرعات والدعم والمساندة للحكومة والشعب عبر هبة تتكون من 1500 طاقم من اللوازم الطبية، والتي تتضمن الأوكسجين والتي وجّهت الى مختلف المؤسسات الصحية التي تعاني من نقص في الوسائل والتجهيزات الطبية عبر الوطن.

«مؤسّسات مصغّرة تقدّم الدّعم بأبسط الإمكانيات»

ساهم أصحاب بعض المؤسسات المصغرة في تقديم الدعم والمساندة للحكومة في الظروف الاستثنائية التي عاشتها الجزائر كون الوباء انتشر بشكل مفاجئ ولم يكن متوقّعا، فأطلقوا مبادرات ومشاريع وابتكارات جديدة وأفكار مميزة قادها شباب لتصنيع وتأمين مستلزمات ومعدات التعقيم والوقاية من فيروس كورونا بإمكانيات بسيطة وتوزيعها للشعب مجانا كصناعة الأقنعة باستعمال البلاستيك الزجاجي عوض الأقمشة باعتباره يوفر حماية أكبر من الإصابة بالفيروس، كفاءات شابة دفعتهم الغيرة عن الوطن لتوقيف أنشطتهم الاعتيادية وتخصيص جل أوقاتهم وجهدهم لخدمته، كلهم يد واحدة للوقوف مع أبناء جلدتهم في أوقات المحن والمصاعب والتحديات غير مبالين بالخسائر المادية.
روح التضامن والتكافل والمسؤولية لم تقتصر على أصحاب المال والشركات الكبرى فقط، وإنما مست سائر الجزائريين الذين تعودوا على مثل هذه الهبات التضامنية في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وكانت المبادرات التطوعية من قبل شباب وجمعيات أبرز مثال على السلوك الإنساني النبيل الذي أبداه المواطن الجزائري من خلال انخراط الجميع في حملات تنظيف وتطهير الشوارع والساحات العامة والمباني والأحياء وتوزيع الكمامات ووسائل التعقيم مجانا للمواطنين، فضلا عن التبرع بالمواد الغذائية للعائلات المتضررة من أزمة كورونا، خاصة على مستوى ولاية البليدة التي فرض عليها الحجر الصحي الكلي في بداية انتشار الفيروس، وكان الالتفاف والتضامن الشعبي بارزا مع سكان الولاية المعوزين والمتضررين.


روح التضامن العالية بدأت عند «الكوادر» الطبية

بوادر روح التضامن والعطاء الإنساني بدأت عند الكوادر الطبية التابعين للقطاعين العام والخاص على حد سواء، وهم الذين واجهوا الفيروس في الصفوف الأولى وبإمكانيات بسيطة كون مستلزمات الوقاية والأدوات الكفيلة بالتصدي للخطر لم تكن متوفرة بالشكل الكافي مع بداية الأزمة الصحية، ما تسبّب في وفاة العديد من الأطقم الطبية وشبه الطبية الذين ضحّوا بحياتهم مقابل إنقاذ عدد كبير من المرضى، وكانوا في الخط الدفاعي الأول في مكافحة المرض القاتل، وأظهروا مجددا المعدن الأصيل الذي يتميز به الجزائريون في الظروف الصعبة.
بعض مراكز التصوير بالأشعة الواقعة بالعاصمة وتحديدا الرويبة ودرارية قدّمت مثالا عن روح التضامن الواسعة من خلال إجراء تشخيص مجاني لجميع المرضى الذين يشتبه في إصابتهم بـ «كوفيد-19»، ولم يبالوا بالخسائر المادية وتعرض الطاقم الطبي الى العدوى، خاصة وأن الفيروس كان في البداية غير معروف والكثير من العيادات الخاصة رفضت تشخيص وفحص حالات كورونا خوفا من انتشار المرض.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025