الدكتور والخبير الاقتصادي عوالي بلال لـ «الشعب»:

حان الوقت لمساهمة المؤسّسات الصّغيرة في الإقلاع الاقتصادي

خالدة بن تركي

 المطلوب غرس روح المقاولاتية لدى الشباب

تعد المؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة أهم أعمدة انطلاق خطة الإنعاش اقتصادي، خاصة وأنّ السلطات ارتأت أن تحتضنها في وزارة خاصة، نظير الأهمية التي توليها لها، والتي تسعى من خلالها إلى الرقي بالاقتصاد الوطني.

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عوالي بلال في تصريح لـ «الشعب»، أنّ الوقت حان لتساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وفي تجسيد التنمية المحلية من خلال التوجه نحو تحسين المناخ التنموي لهذه المؤسسات والدفع بها في اتجاه تشجيع قيامها، والعمل على إيجاد جميع الأطر والمتطلبات لنجاحها والارتقاء بها من خلال مساعدتها ودعمها بصفة «تشاركية» وليست اجتماعية.

عنصر فعّال في المنافسة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي

استطاعت هذه المؤسسات حسب الأستاذ عوالي، أن تثبت نجاعتها وفعالياتها في تحقيق التنمية في الكثير من الدول التي عملت على توفير عدة مزايا لتطويرها، كما حظيت بعدة امتيازات من خلال تطرّق المشرّع الجزائري للمناولة وترسانة القوانين نظير الدور الذي تلعبه هذه التعاملات الثانوية في المنافسة، وتحقيق الاستقرار على الصعيد الاقتصادي.
في الواقع وإن كانت المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة ـ يقول الأستاذ ـ قد أبانت عن دور كبير وفعّال خاصة على ضوء الأزمة الصحية العالمية التي عصفت بمختلف اقتصاديات الدول بفعل الانخفاض المفاجئ في سعر النفط، الأمر الذي ترتّب عنه البحث عن استراتيجيات وبدائل لترك الاعتماد على الاقتصاد الريعي، إلا أنّ بلادنا أصبحت تبحث عن أسس جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي.
ومن الأجدر إعطاء الأولوية لهذه المؤسسات مع إعطائها نظرة وصبغة صارمة من السلطات لغرس روح المقاولاتية لدى الشباب ووضع أرضية متينة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، خاصة وأن كل أجهزة الدعم وحتى المؤسسات الناشئة يمكن اعتمادها لبناء اقتصاد قوي فعال ومتين.

غياب دراسة مجدولة وراء فشل أجهزة الدعم

أرجع الخبير الاقتصادي فشل هذه المؤسسات سابقا إلى غياب دراسة مجدولة للمشاريع المقدمة من طرف الشباب المستفيد من الدعم دون مرافقة ورقابة، حيث كانت أجهزة الدعم تكتسي الطابع الاجتماعي على حساب الصبغة الاقتصادية، وهذا رغم المقترحات المقدمة سابقا بخصوص إشراك هذه المؤسسات في الربح، إلا أن السياسة المنتهجة سابقا كانت السبب في فشلها.
أوضح الأستاذ، أنه اقترح في السابق أن تكون مرافقة ومشاركة حاملي المشاريع في «الربح» باعتبار أن الدولة المتدخلة في الاقتصاد الوطني هي التي تتبنى الاقتصاد الاشتراكي، ولكي نتبنى من هذا المنطلق فكرة اقتصاد السوق «الربح» يستوجب على السلطات إعادة النظر في هذه الفكرة.
قال الأستاذ إن بناء الفكر المقاولاتي وتعزيزه من خلال الصناديق التي تقدمها السلطات للشباب يجب أن تبنى على الفكر التشاركي، أي تحمل الأرباح والخسائر مع تقديم مزايا وتحفيزات للشباب عند تحقيق النجاح، ما يعني الأفكار التي تخدم الشباب لكن دون الأعمال على الدولة في تحقيق الارباح لأن الامر لا يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني.
استطاعت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحتى الناشئة أن تحقق نتائج خلال أزمة كورونا من خلال مشاركتها الفعلية والفعالة في الأزمة على غرار ورشات الخياطة التي ساهمت في صنع كمية كبيرة من الكمامات بمواد بسيطة، الأمر الذي غيّر وجهة النظر نحو هذه المؤسسات التي كان التعامل معها على اساس صبغة اجتماعية، لكن الآن لها صبغة اقتصادية التي تسمح بالحديث عن الإقلاع الاقتصادي.
وحول ملف الدعاوى القضائية المرفوعة ضد أصحاب المؤسسات الفاشلة، قال الأستاذ إن التكاليف والمصارف القضائية اكبر من القروض الممنوحة أحيانا، الأمر الذي خلق نوعا من اللاإستقرار في الخزينة العمومية، ما جعلها تفكر الآن في التخلي عن المطالبة بسداد الدين، من أجل تفادي تكرار التجربة السابقة.

ترقية روح المبادرة الفردية والجماعية

اعتبر الدكتور عوالي الإقلاع بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يستوجب وضع نظرة استشرافية لإنجاح هذا المشروع وخدمة الاقتصاد الوطني، مضيفا أن أهمية المؤسسات تتزايد نتيجة الإجراءات التحفيزية التي حضي بها القطاع منذ سنوات، مهما كانت الرؤية السابقة لكنها زادت حاليا مع حرص السلطات التي تسعى لخلق القطيعة مع الريع البترولي.
وتتمثل أهداف هذه المؤسسات في ترقية روح المبادرة الفردية والجماعية باستخدام أنشطة اقتصادية سلعية او خدماتية لم تكن موجودة من قبل للمساهمة في نمو الناتج الوطني وتنويع هيكل الصادرات وخفض معدل البطالة، خاصة وأن الدولة تسعى لزيادة نسبة الصادرات على حساب الواردات من خلال استغلال هذه المؤسسات في هذا المسعى، أي لا يتم التصدير عن طريق مكاتب ومؤسسات كبرى، وإنما مكاتب بسيطة لتصدير مختلف المنتجات، وتلعب دور همزة وصل بين المنتج ومستقبل السلع في الخارج.
تساهم أيضا في استعادة حلقات الإنتاج غير المريحة التي تخلصت منها المؤسسات الكبرى، وهو أمر إيجابي خاصة وأن السلطات سمحت للمؤسسات في قانون المالية التكميلي لسنة 2020 باستيراد مختلف سلاسل الإنتاج من الخارج المستخدمة وتحفيز لأي مؤسسة صغيرة لكي تقوم به، خاصة وأن الدراسة الأخيرة حول المؤسسات الاقتصادية أثبتت «أنه من الممكن عن طريق التخلي عن هذه المؤسسات الكبرى إنشاء 15مؤسسة صغيرة».

حلقة وصل في النّسيج الاقتصادي

يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تكون حلقة وصل في النسيج الاقتصادي في مجمل العلاقات التي تربطها بالمؤسسات المحيطة والمتفاعلة معها وتشترك في استخدام نفس المداخلات، بالإضافة إلى كونها تشكل إحدى وسائل الإدماج للقطاع غير المنظم والعائلي، وتشجيع الفكر المقاولاتي بالنسبة للعائلات والماكثات في البيت.
كما يمكن أن تشكّل أداة فعالة لتوطين الأنشطة في المناطق النامية، ممّا يجعلها أداة مساهمة في ترقية وتثمين الثروة المحلية، وإحدى وسائل الاندماج والتكامل بين المناطق.
وتشكّل هذه المؤسسات أيضا، مصدر منافسة محتمل وفعلي للمؤسسات الكبرى والحد من قدرتها على التحكم في الأسعار، كما يمكن ان تكون البذور الأساسية للمؤسسات الكبرى، بالإضافة إلى خلق هيكل صناعي متكامل قادر على جلب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
واقترح الأستاذ أن يكون هناك دعم فعلي لترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإنعاش النمو الاقتصادي، وإدراج تطوير المؤسسات ضمن ديناميكية التحول والتكيف التكنولوجي أي بمواكبة التكنولوجيا في دعم المؤسسات، فضلا على ترقية توزيع المعلومة ذات طابع صناعي تجاري ومهني وتكنولوجي الخاصة بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
تساهم أيضا في الحث على وضع أنظمة جبائية قادرة ومكيفة للمؤسسات الصغيرة التي بدأت بوادرها مؤخرا من خلال قانون المالية لسنة 2021 مع تقديم تحفيزات لها، وكذا تبني سياسة تكوين وتسيير الموارد البشرية من خلال تشجيع الإبداع وتسهيل الحصول على الخدمات والموارد المالية واحتياجات المؤسسات من خلال إقامة نظام مصرفي فعلي قائم متطور ومرقم.
البحث عن الأساليب الصّحيحة لدعم المؤسّسات
 دعا الأستاذ إلى البحث عن الأساليب الناجعة لدعم هذه المؤسسات ومساعدتها، خاصة في التكنولوجيا وأساليب التسيير مع تشجيع وتوجيه الاستثمارات الجديدة وتوفير متطلبات التأقلم مع الاقتصاد العالمي والتحديات المرتبطة بالعولمة، وإقامة نشاطات فعلية وواقعية من أجل تطوير الاقتصاد.
أكّد في الختام أنّ المساعدات الممنوحة لجميع أجهزة الدعم يجب أن تبنى على أساس «تشاركي» وليس اجتماعي، أي تقديم دون تقييم ومراقبة، بمعنى وضع خطة صحيحة لهذه المؤسسات من أجل الإقلاع الاقتصادي، وهذا ما يخدم بلادنا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024