ستة عقود ونصف من النضال

المركزية النقابية.. شريك في الإصلاحات

فضيلة بودريش

رافق الإتحاد العام للعمال الجزائريين، طيلة عقود كاملة، مسارات التنمية وتحديات تطوير أداء المنظومة الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية، وناضل دوما في إطار دفاعه المستميت عن المكتسبات، من أجل منع تسريح العمال والحفاظ على حقوقهم المهنية وانخرط في الرهانات الكبرى للإقلاع الاقتصادي واحتل مقدمة الصفوف عبر مشاركته في مختلف الاجتماعات الثلاثية والثنائية التي انعقدت في العقدين السابقين، وظل ثابتا على النهج كصوت للجبهة الاجتماعية، وحمل في تحدّياته الإصلاحات الاقتصادية، محققا إنجازات متعدّدة حققتها المركزية النقابية في التزاماتها بالحياة التنموية.

سنة أخرى تمر ومازال الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي أطفأ شمعته 65 يعد أكبر القلاع النقابية التي صاحبت أبرز محطات الجزائر الحديثة قبل وبعد ثورة التحرير المجيدة، شهد الانتصارات وصمد في حقبة الانكسارات أهمها تداعيات أزمة العشرية السوداء، وكذا غلق المؤسسات وتسريح العمال بأمر من صندوق النقد الدولي مستعملا ورقة المديونية للضغط. رغم تغير رجالاتها لكن المركزية النقابية واصلت على نفس الدرب وبذات الوعي النقابي من عيسات إيدير إلى عبد الحق بن حمودة وإلى غاية اليوم، لكن أكيد أن تحديات الأمس وواقع اليوم بمستجداته وتغيراته السريعة مختلفين تماما.

صوت الجبهة الاجتماعية

لا يخفى أن معارك التنمية والإقلاع الاقتصادي، تمثل حجر الزاوية وتلقي بظلالها على مستقبل البلد والأجيال المقبلة، لأنه بإمكان النقابة أن توجه وتستشرف وتدفع بالكفاءات عبر المسالك النقابية إلى التحريك الصحيح لعجلة التنمية في المصانع والقطاعات النفطية والمنجمية وفي المنظومة الفلاحية والخدماتية، ومن خلال الصناعة التي تمثل محركا يمكنه قيادة الاقتصاد وحمله إلى بر الأمان.
إذا المركزية النقابية بعد ستة عقود ونصف من النضال، بقيت شريك أساسي في إرساء الإصلاحات تشارك في استشراف الحلول الاقتصادية، وفوق ذلك تدافع في مختلف الاجتماعات واللقاءات التي تجمعها بالحكومة وأرباب العمل عن القدرة الشرائية وعن الحقوق المهنية للعامل وكانت صوت الجبهة الاجتماعية، وكم دافعت المركزية النقابية في إطار النزاعات المهنية وعالجتها عبر قنوات التفاوض لحماية حقوق العمال.

قوّة اقتراح

ومازالت المركزية النقابية التي تتربع في مقر شامخ وكبير بدار الشعب الكائن بساحة أول ماي، تعد أكبر وأقدم تمثيل نقابي بالجزائر، حيث بلغ إجمالي عدد المنخرطين في الإتحاد العام للعمال الجزائريين عبر التراب الوطني 2 مليون و700 ألف منخرط، وتشارك سنويا في اجتماعات مكتب العمل الدولي ومازالت تطمح لبلوغ سقف 3 ملايين منخرط، حيث تسعى للتواجد بقوة في القطاع الخاص الذي عادة يغيب عنه التمثيل النقابي.
وفي كل مرة توجد سلسلة من الملفات ذات طابع اجتماعي واقتصادي، تشكل جوهر اهتمام المركزية النقابية من بينه ملف التقاعد وقائمة المهن الشاقة والإنعاش الاقتصادي والنموذج الاقتصادي ومواجهة آثار الوباء على المؤسسة الاقتصادية وتسريع مسار الإصلاحات والتطور الصناعي وتحسين مناخ الأعمال، وكذا الحماية الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية ما إلى غير ذلك، لكن تبقى الزيادة في الأجور الهاجس الأكبر لهذا التمثيل النقابي العتيد، كونها قوة اقتراح وليست صاحبة قرار وإنما تشارك بإصدار القرار، ووسط التضخم وتراجع القدرة الشرائية التدريجي، يبقى الاتحاد العام للعمال الجزائريين وجها لوجه أمام هذا التحدي المفصلي والحلقة الوحيدة القادرة على ترقية أو إضعاف القدرة الشرائية.

مزايا استثنائية

شكّل مقترح أطلقه الاتحاد العام للعمال الجزائريين، يتعلق بإعداد قائمة للمهن الشاقة تسمح لشريحة واسعة من العمال بعدة قطاعات حساسة، يسمح بالإحالة على التقاعد قبل السن القانوني، المقترح الذي رحّبت به الطبقة العمالية وتنتظره باهتمام وترقب، حيث جاء ليحل محل إلغاء نظام التقاعد المسبق، ورغم أن فوج العمل أنهى عمله، لكن مازالت القائمة لم تر النور، حيث أخذ بعين الاعتبار المهن الشاقة والمتعبة وحدد على ضوئها القطاعات المعنية وأبرزها قطاع النفط والمناجم والتربية والبناء والري والأشغال العمومية والصحة والموانئ وعدة قطاعات أخرى. يذكر أن المركزية النقابية كانت قد عقدت أزيد من 90 اجتماعا مع خبراء وممثلين عن الفدراليات ومن وزارة العمل وأطباء، لتحديد قائمة دقيقة بهدف الاستفادة من تخفيض يتراوح في المسار المهني بين 3 إلى 5 سنوات في السن أي أن الإحالة على التقاعد للعمال يتم بين 55 إلى 57 سنة، أما بخصوص العمل في الليل وتحت الإشعاعات المعرضون للمرض أو الموت وحوادث العمل فيستفيدون من اقتطاع 5 سنوات مع إمكانية التقاعد في سن 55 للرجال وسن  50 للمرأة.

تجارب منعت الانسداد

بعد إنشاء لقاءات الثلاثية عام 1991، شكلت هذه الأرضية فضاء نموذجيا، يلتقي فيه الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين مع الحكومة يرفعون المقترحات، ويدرسون الإشكاليات ويواجهون التحديات ويرسمون معالم الخطط الاقتصادية والتنموية، وانعقدت بشكل دوري العشرات من القمم الثلاثية ويضاف إليها بعض الاجتماعات الثنائية التي جمعت الحكومة بالنقابة، بل كانت هذه الاجتماعات طاولة التفاوض الأساسية التي واجهت العديد من المشاكل ومنعت من الانسداد بواسطة طاولة التفاوض ولغة الحوار، حيث تم إقرار الزيادة في الأجور عدة مرات عبر هذا الإطار الرسمي الذي أطلق لأول مرة تجارب العقد الاقتصادي للنمو، وفتح المجال لمشاركة أرباب العمل في الحوار بهدف المساهمة في ترقية أداء المؤسسة الاقتصادية الخاصة كونها مؤسسة وطنية تطرح القيمة المضافة، وحفزت هذه اللقاءات بإقناع الشريك الاقتصادي بالمساهمة في التنمية الاقتصادية وفتح مناصب الشغل لامتصاص البطالة، وقدمت بالمقابل العديد من التسهيلات في القروض والجباية والعقار الاقتصادي، وفتح الأفق لبناء شراكات بين القطاعين العمومي والخاص.. وما إلى غير ذلك.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025