أكد الخبير الاقتصادي المصري ومستشار العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور كرم سلام عبد الرؤوف سلام، أن زيارة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى جمهورية مصر العربية، تحمل أهمية استراتيجية كبرى، وتُشكّل سانحة لتطوير العلاقات التاريخية بين الجزائر ومصر إلى آفاق أرحب، والارتقاء بالشراكة الثنائية وتعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين بشتى المجالات والميادين.
قال الدكتور كرم سلام، وهو أستاذ بجامعة عين شمس- القاهرة، في اتصال مع «الشعب»، إن مصر والجزائر يعدّان من القوى السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية والأفريقية والمتوسطية، ويُتيح تعاونهما إمكانات هائلة للنمو في البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والزراعة والصناعات التحويلية الغذائية، متوقعا أن تشهد الزيارة توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي، وإبرام شراكات استثمارية متنوعة تصب في صالح تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل كثيرة بالدولتين.
وتابع الخبير ذاته، أن التعاون الأمني بين البلدين له أهمية قصوى في ظلّ التحديات الإقليمية بالظرف الحالي، حيث تسعى كل من الجزائر ومصر إلى تعزيز استقرارهما الداخلي والإقليمي، وتحقيق التكامل الأمني والسياسي بين دول المنطقة. ومن المنتظر أن يشهد لقاء قائدي الجمهوريتين نقاشات حول قضايا الأمن والإرهاب والحدود، والأزمات الحاصلة في دول الجوار مثل ليبيا وفلسطين والسودان.
كما ستعرف العلاقات التعليمية والثقافية نسقا آخر من التطور، بالتوازي مع اهتمام البلدين بزيادة التبادل الثقافي والعلمي، وتعزيز دور الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، مما سيرسخ أكثر من التواصل بين الشعبين الشقيقين ويشجع على استدامة التفاهم والتنسيق المتبادل.
علاقات تاريخية
وأوضح مستشار العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور كرم سلام، أن العلاقات الجزائرية المصرية تاريخية وذات جذور عميقة ومتينة، تمتد إلى مراحل التحرر الوطني في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين؛ حيث دعمت جمهورية مصر ثورة التحرير الجزائرية المجيدة، ووقفت الجزائر إلى جانب مصر في أزماتها القومية، لا سيما إبان حرب أكتوبر 1973م.
وأبرز الأستاذ سلام، أن هذه العلاقات التاريخية تعزِّز الثقة بين البلدين، وتؤكد قدرتهما على تكثيف التعاون في قضايا أخرى تتجاوز الجوانب المتعلقة بهموم الأمة العربية، من خلال العمل على تطوير الشراكة الاقتصادية الثنائية وتحقيق التنمية المشتركة والمتكاملة، والاستفادة من الإمكانات الاقتصادية والاستراتيجية الهائلة للبلدين في صالح النهوض باقتصاد الدولتين، مع ضرورة أن تشكل الزيارة نقطة انطلاق جديدة نحو بناء أواصر شراكة قوية تقوم على المصالح المربحة للطرفين، والرؤية الموحدة لمختلف قضايا الوطن العربي والعالم.
تعاون اقتصادي متنوّع ومثمر
يرى الدكتور سلام، أن زيارة الرئيس تبون إلى جمهورية مصر العربية، تهدف إلى ترسيخ العلاقات التاريخية بين البلدين، ودفع التعاون في مختلف المجالات الحيوية للوصول إلى شراكة استراتيجية كبرى ومتكاملة، والأرقام الخاصة بالتبادل بينهما تبرز أهمية الاستمرار في توطيد الشراكة الجزائرية المصرية.
وفى مجال الواردات والصّادرات، كما أبرز سلام، تستورد الجزائر من مصر منتجات غذائية وكيمياوية وعتادا، بينما يصدّر بلد الشهداء إلى القاهرة منتجات طاقوية مثل الغاز الطبيعي بنسب تتراوح بين 30 و40% من احتياجات القاهرة السنوية، في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والجزائر حوالي 1.1 مليار دولار في عام 2023م، مع استهداف زيادته بنسبة قد تتجاوز 20% خلال الأعوام القليلة المقبلة.
أمّا في مجال المشاريع الاستثمارية المستقبلية، فقد جرى التفاهم على إطلاق أكثر من 30 مشروعاً استثماريا في عدة قطاعات حيوية، على غرار البنى التحتية والزراعة والطاقة، ما من شأنه أن يساهم في تحقيق نمو سنوي للاستثمارات يتراوح بين 5 و10%، إذ تحتل الاستثمارات المصرية في الجزائر المرتبة السادسة بين المستثمرين الأجانب، حيث تتجاوز استثماراتها عتبة 2.7 مليار دولار، خاصة في قطاعي الطاقة والإنشاءات، وفقا للخبير ذاته.
وبخصوص التبادل العلمي والثقافي والتدريب، بحسب المصدر، تستقبل الجامعات المصرية حوالي 1500 طالب جزائري سنوياً، بينما توفر الجزائر منحاً للطلبة المصريين في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الجزائرية في مجالات عدة، مثل العلوم. كما يهدف البلدان إلى رفع نسب مساهمات الطاقات المتجددة عبر إطلاق خطط مرتبطة بإنشاء 5 محطات للطاقة الشمسية حتى 2030م، مما سيوفر آلاف فرص العمل الجديدة لشباب البلدين.
ومن المتوقع أن ينمو التعاون الاقتصادي بين مصر والجزائر، مثلما أفاد المستشار، إلى قرابة 15% كل عام خلال الخمس السنوات المقبلة، وهو ما سيؤدي إلى خلق حوالي 10.000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في البلدين الشقيقين، لاسيما في قطاعات الصناعة والطاقة.
وفي جانب التعاون الثنائي الإقليمي، يسعى البلدان الشقيقان إلى الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة برمتها، ومرافقة جهود السلام في دول ليبيا وفلسطين والسودان، ويعملان باستمرار وبشكل حثيث من أجل إرساء الحلول السلمية للأزمات والنزاعات، يضيف الخبير الاقتصادي الدولي المصري.