دور محوري في توعية الرأي العام وإبراز القضايا الوطنية

”الشعب”..مُـــرافـــق دائـــم وداعـــم لـــلــتــنــمــيــة الــفــلاحــيــة

آمحمد تيفوري

 

تعتبر جريدة الشعب من أبرز الصحف الوطنية التي لعبت دوراً محورياً في توعية الرأي العام وتسليط الضوء على القضايا الوطنية الملحة، ومن بين هذه القضايا تأتي مسألة الأمن الغذائي وتطوير القطاع الفلاحي من بين الأولويات الوطنية والتي خصصت لها الجريدة حيزا مهما في تغطيتها. سنحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على الدور البارز الذي لعبته الجريدة في مرافقة الإصلاحات والإنجازات الكبرى التي شهدها هذا القطاع الحيوي.

عكفت جريدة الشعب منذ إنشائها غداة الإستقلال في 11 ديسمبر 1962 على نقل الأخبار وتنوير الرأي العام الوطني والدولي للإنجازات الكبرى ومرافقة المحطات التاريخية التي ميزت وشهدها القطاع الفلاحي، ومما عزز مكانتها في الساحة الإعلامية إستخدامها للغة مفهومة ومبسطة لساكنة الريف والمناطق التي تشهد نشاط فلاحي مكثف، كيف لا وهي أم الجرائد الناطقة بالعربية.
تصفح أرشيف الجريدة يمكننا القيام من قراءة تاريخية للمراحل المختلفة التي وجهت تنمية القطاع الفلاحي منذ الاستقلال وهو ما يمكننا من فهم أفضل للمسار الذي أدى إلى اعتماد سياسة التنمية الفلاحية والريفية الحالية وإدراك أن الوضعية الحالية هي في الواقع تتويج لعملية التعلم والتخصيص التدريجي التي لها جذورها في تاريخنا. كما يسمح لنا بإدراك النطاق الكامل والعميق للإصلاحات والاستجابات التي توفرها السياسة المنتهجة.
فيما يلي أهم المحطات التاريخية التي رافقتها الجريدة من خلال نقلها الدؤوب والمتواصل لأهم الإصلاحات التي باشرتها الدولة من أجل النهوض بالقطاع الفلاحي:
الإدارة الـــذاتــــيـــة والـــثــــورة الــــزراعــــيـــــــة
(1962-1979)
بعد الاستقلال، نقلت الجريدة جهود الدولة لمتابعة النشاط الفلاحي من خلال تركيز اهتمامها على المزارع الكبرى، وهي أغنى المزارع في البلاد، والتي أصبحت تدار ذاتيًا بشكل جماعي من قبل العمال الفلاحيين المتواجدين بها. ورافقت الجريدة من خلال مقالاتها الأولوية المعطاة لـ “القطاع المُدار ذاتيًا” على أنها ضرورة اقتصادية نظرًا لأهمية رأس المال الذي يشكله.
تلتها مباشرة الثورة الزراعية (1971-1979) التي رافقت التوجه الاشتراكي الذي طبع الاقتصاد الفلاحي أنذاك، من خلال تأميم الممتلكات الخاصة الكبيرة المملوكة للمواطنين والأراضي غير المستغلة، وإعادة توزيع الأرض لمن يخدمها، واعتماد أسلوب الإدارة الجماعية على المزارعين المستفيدين من إعادة التوزيع هذا. تميزت هاته الفترة بتنظيم حلقات التموين بالمدخلات الزراعية وكذا تحويل وتسويق المنتجات الفلاحية. وتميزت هذه الفترة أيضًا بإنشاء أو تعزيز عدد كبير من مؤسسات البحث والمعاهد المتخصصة في الإنتاج الحيواني والنباتي، بحيث رافقت جريدة الشعب هذا التوجه من خلال دورها الريادي الذي لعبته في الإرشاد الفلاحي وإعلام الرأي العام بمختلف التدابير الجديدة المتخذة، إذ كانت المصدر المتميز للمعلومات الحصرية.
الإصــــلاحــــات الأولى لـــلـــقـــطـــاع الـــفـــلاحــــــــي (1979-1999)
خلال هذه الفترة، وفي مواجهة الركود المستمر للإنتاج الفلاحي والذي قابله نمو ديموغرافي كبير، وكذا الصعوبات الناتجة من تسيير المزارع الكبيرة ذاتية الإدارة وعجزها المزمن، تم تدريجيًا إدخال عدد معين من الإصلاحات، وثقتها جريدة الشعب عبر صفحاتها بحيث نقلت الطريقة التي تم بها تنفيذ التجارب الأولى لتحرير السوق، والتي أعقبتها بعد فترة وجيزة إعادة هيكلة المزارع الفلاحية الاشتراكية التي حولت إلى مستثمرات فلاحية جماعية وفردية، بينما تم إدخال حق الانتفاع الدائم على الأراضي (قانون 87-19). كما تم إرجاع جزء من الأراضي المؤممة في إطار الثورة الزراعية إلى مالكيها السابقين (قانون التوجيه العقاري لسنة 1990) وإعادة تنظيم النظام التعاوني المنبثق عن الثورة الزراعية.
هذه الإصلاحات أدت إلى إنشاء الغرف الفلاحية والقرض التعاضدي الفلاحي، متبوعا بتفكيك بعض المؤسسات العمومية لتثمين وتحويل المنتجات الفلاحية وكذا دواوين التموين ونظام تعاونيات الخدمات (الفترة التي تم فيها حل الديوان الوطني للتموين والخدمات الفلاحية وتعاونيات الخدمات).
كما خصصت جريدة الشعب تغطية خاصة لمجريات المشاورة الوطنية الواسعة التي نظمت سنة 1992، والتي هي محطة مهمة تم فيها مناقشة الآثار الناجمة عن السياسات والإصلاحات المتعاقبة من خلال إعداد تشخيص عن وضعية الفلاحة طيلة 30 سنة من الاستقلال، إذ نقلت الجريدة من خلال تغطيتها للحدث، المقاربة الجديدة من أجل تنمية الاقتصاد الفلاحي والنموذج الجديد للعلاقات الواجب إقامتها بين الإدارة والمهنة وهذا في سياق انتقالي وتفتح نحو السوق العالمية.
المخــــطـــط الـــوطـــنـــي لـــلـــتـــنـــمـــيـــة الـــفـــلاحـــيـــة والـــريـــفـــيــــــة (2000-2009)
اندرج المخطط الوطني للتنمية الفلاحية ضمن منطق تشجيع المبادرة الخاصة حتى ولو بقيت أدوات وإجراءات المخطط الرئيسية تابعة للقواعد الإدارية. تم خلاله توجيه الدعم نحو الاستثمار في المستثمرات الفلاحية من أجل الرفع من مستويات الإنتاج والإنتاجية. لقد تم توسيع المخطط الوطني للتنمية الفلاحية، في سنة 2002، لإدماج دعم العالم الريفي ونتيجة لذلك أصبح يسمى البرنامج الوطني للتنمية الفلاحية والريفية، لعب فيه الجانب الإعلامي دورا مهما من خلال تشجيع المستثمرين الخواص في الإنخراط في هذا المخطط، وهو ما ساهم بشكل كبير في تخطي الأزمة العالمية للغذاء سنة 2008.
كما ساهمت جريدة الشعب في التعريف بالإستراتيجية الوطنية للتنمية الريفية المستدامة وكذا إطلاع الرأي العام بأهم محاورها وأدواتها كالمشاريع الجوارية للتنمية الريفية المندمجة التي تعتمد كيفيات إنشائها على مقاربة تصاعدية وتساهمية ومندمجة وإقليمية، تبدأ بفكرة وتجسد في مشروع مدمج.

ســـيـــاســـة الـــتــــجديـــد الـــفـــلاحـــي والـــريـــفـــي ومخـــطـــط تـــنـــمـــيـــة قـــطـــاع الـــفـــلاحـــة والــــريـــف والـــصـــيـــد الـــبـــحـــري (2010 – 2019 )

إرتكزت السياسة التنموية الجديدة على عمليات استراتيجية تتمثل أهمها في توسيع القاعدة الإنتاجية، وذلك بتوسيع المساحة الزراعية وتقوية المكننة وترقية الصيد البحري المسؤول وتثمين المنتجات الفلاحية والغابية والصيدية، بالعمل على مواصلة تكثيف المنتجات الفلاحية والصيدية وبناء الشُعب الإستراتيجية وتكييف سياسة الدعم والتمويل، بالإضافة لتعزيز الحماية والحفاظ على الموارد الطبيعية بفضل التسيير المستدام للغابات وتعزيز البرامج الموجهة للمناطق السهبية وشبه الصحراوية.
عرفت هاته الفترة تغيير في نمط تسيير العقار الفلاحي الملكية الخاصة للدولة وذلك بالإنتقال من حق الإنتفاع الدائم إلى نظام الإمتياز، وساهمت جريدة الشعب بشكل كبير في إبلاغ كل الفلاحين وذوي المنفعة بكل التدابير الواجب إتخاذها من أجل إنجاح هذا الإنتقال، بحيث أعدت العديد من الملفات الخاصة لهذا الصدد.
كما ساهمت بشكل فعال في الإرشاد ونشر التقدم التقني المتوصل إليه في مختلف الشعب الفلاحية وهو ما كان له الأثر الإيجابي، في الرفع من مستوى فلاحتنا من خلال الإنخراط الواسع للمستثمرين الذي ميز هاته الفترة.
ورقــــة طــــريـــق الـــتـــنـــمـــيـــة الـــفـــلاحـــيـــة والـــريـــفــــــيـــة (2020-2024)
إن المساعي الحثيثة التي تم مباشرتها بغرض تجسيدها ميدانيا لتطوير مجال الفلاحة والتنمية الريفية، قد تضمنتها ورقة طريق القطاع لفترة 2020-2024، النابعة من التزامات السيد رئيس الجمهورية 54 ومن مخطط عمل الحكومة وذلك ترسيخا لمبدأ جعل الفلاحة محركا أساسيا للنمو من خلال توفير الأطر التنظيمية والقانونية والتحفيزية لفائدة الفلاحين والموالين والفاعلين والمستثمرين لتنمية القطاع في كافة ابعاده ومناحيه.
نقلت جريدة الشعب من خلال تغطيتها للعمليات المنجزة في إطار ورقة الطريق بتسليط الضوء على بعث الإستثمار المهيكل، وتنمية الشُعب الإستراتيجية، خاصة الحبوب وترشيد النفقات العمومية، والتقليص المحسوس في فاتورة الإستيراد وتثمين المنتجات الفلاحية ( الزراعات الصناعية والتصدير)، وكذا نقل التجارب الناجحة لإدراج رأس المال في الفلاحة، والرقمنة لبعث نجاعة التسيير ودعم مجال الإبتكار وتشجيع المؤسسات الصغيرة، ما أدى إلى تحسين المداخيل بالعالم الريفي وتوفير معالم التأطير الإجتماعي والمهني للفلاحين.
كما أبرزت الجريدة التوجه الجديد للفلاحة من خلال تسليط الضوء على تطوير الزراعات الصناعية، لاسيما إنتاج الزيوت الغذائية والسكر والذرة وغيرها، من خلال تغطية للإستثمارات الكبرى في الجنوب، حيث تعتبر هذه الإستثمارات إستراتيجية لما لها من آثار على الاقتصاد الوطني.
كما تجدر الإشارة إلى الدور المهم الذي قامت به الجريدة في مرافقة عمليات الإحصاء العام للفلاحة لسنوات 1973، 2001 و2024 من خلال إبراز ضرورة إنخراط الفلاحين في العملية والفوائد المرجوة منه. وتميزت الطبعة الثالثة بتغطية لأبرز مراحل إعداده وإنجازه وذلك بإستخدام مختلف الوسائط المتاحة من مقالات في النسخة الورقية والرقمية وكذا عن طريق منشورات في وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالجريدة.
من خلال هاته المحطات التاريخية التي مر بها القطاع الفلاحي، يظهر جليا الدور الذي لعبته جريدة الشعب في دعم القطاع الفلاحي والأمن الغذائي من خلال توعية الرأي العام، ومواكبة الإصلاحات، وتسليط الضوء على الإنجازات والتحديات. إن هذا الدور يعكس التزام الجريدة بقضايا الوطن والمواطن، ويؤكد على أهمية الإعلام في بناء إقتصاد قوّي ومزدهر.
وهو دور قام به ثلة من الصحفيين المتألقين والذين شاركوا القراء، عبر كتاباتهم، بمقالات تطرقت إلى التحديات التي يواجهها القطاع الفلاحي في الجزائر، وكذا تغطية شاملة للإصلاحات التي شملت القطاع الفلاحي من خلال تسليط الضوء على الإجراءات الحكومية لدعم الفلاحين، مع تحليل جاد وموضوعي لأثر هذه الإصلاحات على الإنتاجية الفلاحية. كما تناولت الجريدة مواضيع عدة تعنى بإبراز دور الفلاح الجزائري في تحقيق الأمن الغذائي بتقديم قصص ملهمة عن فلاحين كافحوا من أجل تطوير أراضيهم، وسعيهم الدؤوب لتشجيع الشباب على الانخراط في القطاع الفلاحي.
 مدير مركزي بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، باحث في إدارة وتقييم السياسات العمومية، خبير في الأمن الغذائي والنظم الغذائية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025
العدد 19821

العدد 19821

الأحد 13 جويلية 2025
العدد 19820

العدد 19820

السبت 12 جويلية 2025
العدد 19819

العدد 19819

الخميس 10 جويلية 2025