في خـرق صـارخ لاتّفاقية عـام 1968

فرنسا تحاول تصدير أزماتها وفشلها الدّبلوماسي

آسيا قبلي

التزام الجزائر بسيـادة القانون يفضـح مفتعلي الأزمة

أكّد بيان وزارة الخارجية، ردّا على تصريحات غير مسؤولة من وزير الداخلية الفرنسي، أنّ فرنسا هي من خالفت القانون واتفاقيات الهجرة عندما قامت بترحيل مواطن جزائري يحمل جنسية فرنسية، دون اتباع الخطوات الدبلوماسية المتعارف عليها، في خرق صارخ لاتفاقية عام 1968، التي يراد إلغاؤها رغبة منها في تهيئة الرأي العام المحلي لتقبّل الخطوة القادمة، المتمثلة في مشروع جديد يقضي بإلغاء اتفاقيات الهجرة وترحيل المهاجرين.

 التزام الجزائر بتطبيق القانون في قضية المواطن الجزائري الفرنسي، فضح رغبة أطراف داخلية فرنسية في تأزيم العلاقات بين البلدين، وقد استعان اليمين المتطرّف بوسائل الإعلام التي شنّت حملة شعواء ضد المواطن، الذي كان طيلة مدة إقامته في فرنسا فرنسيا يتمتّع بالجنسية الفرنسية، ويخضع للقانون الفرنسي، ليتقرّر بشكل مفاجئ ترحيله إلى الجزائر دون أي التزام بالقنوات الدبلوماسية والقانونية لذلك.
وأبان بيان وزارة الخارجية عن رصانة الدبلوماسية الجزائرية في التعامل مع محاولات تضخيم قضايا ليست ذات شأن، وفضح الممارسات الاستعلائية والحنين إلى الماضي الاستعماري لليمين المتطرف الفرنسي. كما فضح الأزمة السياسية التي تعاني منها فرنسا بين الرئيس الفرنسي والجمعية الوطنية.

تصديـــر الأزمـــات

 القرار الفرنسي هذا لم يأت من فراغ، حيث تعيش فرنسا أزمة داخلية وخارجية متعدّدة الأوجه، ومن الثابت في السياسة الخارجية اختلاق عدو خارجي من أجل تصدير الأزمات الداخلية، أو صرف انتباه الرأي العام الداخلي إلى ملفات خارجية أقل أهمية مع تضخيمها، لتكون الشجرة التي تغطي الغابة، وقياسا على ذلك، يحاول اليمين المتطرف في الحكومة الفرنسية تنفيذ هذه المناورة، للتغطية على الأزمة السياسية غير المسبوقة التي تعيشها فرنسا منذ جوان الماضي، تاريخ حلّ الجمعية الوطنية “البرلمان” من طرف الرئيس الفرنسي، وقد بقيت السجالات قائمة بين الرئيس الفرنسي والجمعية الوطنية الفرنسية إلى غاية إعادة تشكيلها قبل أيام، من طرف رئيس الوزراء، الذي يبدو أنه لم يستطع تحقيق الوفاق بين الفصائل السياسية، وأبعد من ذلك عمد إلى تشكيل حكومة أغلب وزرائها من اليمين المتطرف، وعلى رأسهم وزير الداخلية، المعروف بمواقفه الأكثر تطرفا، والذي يتبنّى مشروعا جديدا للهجرة يقوم على تقليص عدد المهاجرين، وتنفيذ أوامر الترحيل من فرنسا بصرامة وحرمان المهاجرين السريين من المساعدات الطبية، وهي في مجملها ممارسات تعارض المعاملات الإنسانية قبل أن تعارض القوانين التي تحكم ملف الهجرة.

تراجـع دولــي

 ولا يختلف الوضع الخارجي الفرنسي عن الداخلي، إذ لا يمكن فصل ما يحدث داخلها عن التقهقر الذي يشهده نفوذها في إفريقيا، والذي يرهن اقتصادها، خاصة وأن الاقتصاد الفرنسي يقتات على اتفاقيات وقوانين جائرة تعود إلى ستينات القرن الماضي، ومع صعود قيادات جديدة في الدول الإفريقية، بدأت تنتفض ضد تلك الاتفاقيات وتنسحب منها على اعتبار أنها تعكس نظرة فرنسية استعلائية، تكرّس العلاقات القديمة بين مستعمِر ومستعمَر، وهي تخسر المزيد من مناطق النفوذ في إفريقيا يوما بعد يوم، وحتى في الأراضي البعيدة في كاليدونيا حيث ينتفض السكان هناك من أجل الاستقلال، وفرنسا تعيش اليوم أزمة سياسية متعدّدة الأوجه، والنظام القائم هناك عاجز عن التحكم فيها، خاصة مع تغوّل اليمين المتطرف المعروف بمعاداة الأجانب.
ومن أجل التغطية على الفشل الذريع في استتباب الأمور الداخلية والخارجية، لم يجد اليمين المتطرف الذي يستولي على أكثر من نصف المناصب الوزارية (19 وزيرا من اليمين المتطرف من أصل 35)، سوى تضخيم قضية تمّ اختلاقها هناك، وراح رئيس الوزراء يكيل التهم للجزائر، وجُنّدت وسائل الإعلام لتضخيمها، حيث شنّت حملة شعواء ضد المواطن الجزائري الفرنسي، الذي أريد حرمانه من حقه في التقاضي العادل أمام المحاكم الفرنسية، وجعل القضية مطية لتسميم العلاقات بين الطرفين، رغم أن الأمور واضحة.
من خرق القانون هي فرنسا نفسها، عندما قرّرت ترحيل مواطن جزائري يحمل جنسية فرنسية، دون إخطار قنصليتها بالجزائر، التي تخطر بدورها وزارة الخارجية، وبحسب القانونيين، فإن ذلك يتطلب وقتا لدراسة ملف الرعية وأسباب ترحيله، ودفعت الممارسة غير القانونية من فرنسا الجزائر إلى الالتزام بالقانون واتفاقيات الهجرة للعام 1968، بين الجزائر وفرنسا، وذلك أظهر الخطأ المتعمّد الذي وقعت فيه فرنسا، واليمين المتطرف الذي يقف وراء الرغبة في تسميم العلاقات بين الطرفين، وهو دأبه كلما سمحت له الفرصة بذلك، إذ أنّه لم يهضم طرد الشعب الجزائر الاحتلال الفرنسي ذات الخامس جويلية 1962، وما زال يحن الى الماضي الاستعماري.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19766

العدد 19766

الأربعاء 07 ماي 2025
العدد 19765

العدد 19765

الثلاثاء 06 ماي 2025
العدد 19764

العدد 19764

الإثنين 05 ماي 2025
العدد 19763

العدد 19763

الأحد 04 ماي 2025