لم تجد فرنسا الدولة التي تراجع نفوذها قاريا وإقليميا ودوليا، والحكومة التي لا تتمتع بإجماع شعبي داخلي، إلا اللجوء للاستفزاز ضد الجزائر لصرف انتباه الداخل الفرنسي عن أزماته المتعددة ووضعه المعيشي المتردي، من خلال التحالف مع النظام المخزني العميل والمطبع لتنفيذ مناورات عسكرية على بعد كيلومترات من الحدود الجزائرية المغربية.
جاء التخطيط للمناورات العسكرية بين نظام المخزن وفرنسا في الوقت الذي شهدت العلاقات الثنائية الجزائرية- الفرنسية توترا بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ضد الجزائر فيما خص ملف الذاكرة، تلاها رفض رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، زيارة فرنسا في وقت كانت هذه الأخيرة، في أمسّ الحاجة لهذه الزيارة. كما رفضت الجزائر محاولات مسؤولين في الحكومة الفرنسية زيارة الجزائر، مع خرجات اليمين المتطرف التصعيدية.
وتعني هذه الخرجة أن فرنسا الرسمية، إما أنها أصبحت خاضعة تمام الخضوع لليمين المتطرف أو أنها تريد استرضاءه، خاصة بعد أن فقد الرئيس الفرنسي الأغلبية البرلمانية في تشريعات جوان الماضي، ووجد اليمين المعتدل نفسه مجبرا على التحالف مع اليمين المتطرف لتشكيل أغلبية برلمانية ومنه تشكيل الحكومة.
ولم تجد فرنسا بعد طردها من منطقة الساحل الإفريقي عملاء تستفز بهم الجزائر وتوظفهم لصالحها، غير النظام المخزني المتهالك، الذي سمح بهذا التوغل، وبذلك تكون فرنسا قد حققت هدفين: استخدام المخزن وتصعيد التوتر بين الجزائر والمغرب.
وبالنسبة للمغرب، فإنه يعتقد أنه بذلك يضغط على الجزائر نتيجة مبادئها الراسخة وموقفها من القضية الصحراوية، حيث تقدم الجزائر دعما للقضية المسجلة في خانة تصفية الاستعمار على مستوى الأمم المتحدة. في حين يتمسك العرش الملكي بورقة الصحراء الغربية باعتبارها الحجة الوحيدة الباقية لمشروعيته التي تراجعت بفعل سياساته المعادية للشعب المغربي وتطبيعه مع المحتل الصهيوني.
ومن دلالات هذه المناورات أيضا، استمرار خيانة المخزن الذي أفلس ببيع كل أوراقه للجهات الأجنبية، ومحاولة صرف الأنظار باصطناع عدو وهمي قد يلهي به شعبه المغلوب على أمره.
ولا يمكن الحديث عن القضية الصحراوية دون أن نتحدث عن القضية الفلسطينية، سيما وأن نظام المخزن المطبع متورط حتى رأسه في دعم الكيان الصهيوني في العدوان على غزة، وهذا الأخير يدفع من أجل استفزاز الجزائر جراء استماتتها في الدفاع عن القضية العادلة في مجلس الأمن.
انزعاج فرنسي
في الوقت الذي شهدت العلاقات الجزائرية- الفرنسية، توترا، اتسمت العلاقات الجزائرية الإيطالية بالتميز والتصاعد في منحنى إيجابي، وهو ما أزعج كثيرا فرنسا بفعل تراجع حصة هذه الأخيرة من السوق الجزائرية لصالح فواعل اقتصادية أخرى، منها إيطاليا. وبالتالي، فهي تعبر عن حالات إحباط ورغبة في ثني الجزائر عن وثبتها الاقتصادية والسياسية في عهدتي الرئيس عبد المجيد تبون، واستعداد قوى الشر للتلويح بالسلاح العسكري، إن استدعى الأمر ذلك، لتحطيم ما وصلت إليه الجزائر.
وتشير الأهداف الظاهرية من المناورات، إلى أنها تأتي في سياق الجهود الرامية إلى الحد من خطر ما يسمى «الإرهابيين» بمنطقة الساحل، غير أن الحقائق تشير إلى عكس ذلك، إذ أن فرنسا والمغرب كانتا وراء تمويل الجماعات الإرهابية «لزعزعة أمن واستقرار منطقة الساحل»، من خلال الرضوخ، في أزيد من مرة، إلى مطالب دفع الفدية من أجل تحرير رهائن فرنسيين.
وتتهم دول الساحل فرنسا بدعم الجماعات الإرهابية في المنطقة، سيما في الدول الثلاث التي انتفضت وطردت القوات الفرنسية وعملياتها الخاصة فيها وهي مالي والنيجر وبوركينافاسو. فعلى مدار عشر سنوات من تواجدها في هذه الدول، لم تعمل على كبح الظاهرة التي لم تستثن المدنيين ولا الجيش النظامي لتلك الدول. وبالتالي، فإن الادعاء بالتصدي للجماعات الإرهابية في الساحل، هو محاولة بائسة للعودة إلى المنطقة من منافذ أخرى. والهدف النهائي من زعزعة الاستقرار طبعا، هو التشويش على الجزائر وتشتيت جهودها وإلهاؤها عن المضي قدما في طريقها نحو الصعود.
الهدف المشترك بين فرنسا والمخزن والكيان الصهيوني، باعتبارها قوة استعمارية توسعية هو ثني الجزائر عن مواقفها العادلة المطابقة للقانون الدولي، سيما بعد تراجع تواجد فرنسا في أفريقيا بعد النهضة الجزائرية واسترجاع اقتصادها من قبضة الشركات الفرنسية، فكانت قدوة للدول الأفريقية التي انتفضت ضد التواجد الفرنسي، وبالتالي انحسار نفوذها، وينطبق الأمر على المخزن والكيان الصهيوني، نظرا لموقف الجزائر الواضح من تصفية الاستعمار، كما سبقت الإشارة إليه، وبالمحصلة تريد الأطراف الثلاثة، التشويش على الجزائر التي بلغت، بفضل استراتيجيتها الاقتصادية وتفوقها الطاقي، مكانة رفيعة في سوق الطاقة العالمي، ودبلوماسيتها التي فضحت الحكومات الثلاث أمام شعوبها.