الصحافة الإسبانية تثني كثيرا على الجزائر كشريك موثوق
استعادت الجزائر وإسبانيا، علاقتهما الطبيعية، بعد فترة من الجمود، لتنبعث مجددا الحركية الاقتصادية والتجارية بينهما، بشكل أراح المتعاملين الاقتصاديين. وقد حظيت تصريحات رئيس الجمهورية الأخيرة، بشأن استئناف التعاون مع مدريد، ردود فعل مرحبة من قبل الصحافة الإسبانية التي أثنت كثيرا على الجزائر «الشريك الموثوق».
اتّسمت العلاقات بين الجزائر ومدريد منذ نيل الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية، بطابع ودّي يطبعه الاحترام المتبادل، وتعزّزت أكثر بدخول بلد الشهداء إلى فضاء الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم، وتحولها إلى مُورِّدٍ رئيسي لإسبانيا خلال العقود الستة الفارطة، مع بروز تحسن في مؤشرات الأنشطة التجارية والاقتصادية في مختلف المجالات الإنتاجية غير الطاقوية.
وبالرغم من استدامة روابط الصداقة، مرت العلاقة بين البلدين بحالة من الركود في بعض الفترات، على غرار الفتور الذي شابها خلال العامين الأخيرين، لأسباب متّصلة بالواقع الجيوغرافي بالإقليم.
وتجاوز البلدان الصديقان سحابة الأزمة العابرة سريعًا، وبادرا مؤخرًا إلى إعادة أواصر العلاقات لسابق عهدها، مع طموحهما لتوسيع نسق التعاون الثنائي لكي يشمل الإستثمار في مجالات حيوية خارج قطاع المحروقات كالصناعة والفلاحة والإنتاج الحيواني والسياحة والمناجم والمحاجر والنسيج وغيرها من الميادين الإنتاجية المحلية.
وفي لقائه الدوري الأخير مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، أبدى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ارتياحه لعودة العلاقات بين الجزائر واسبانيا إلى طبيعتها بعد فترة من الفتور، خاصة على المستوى التجاري، مشيرًا إن الجزائر ستستورد حصة من حاجياتها من الأغنام تحسبًا لعيد الأضحى المبارك من تلك الدولة.
وقوبلت تصريحات رئيس الجمهورية، حول عودة العلاقات الجزائرية- الإسبانية إلى مكانها الطبيعي، باهتمام بالغ من وسائل الإعلام في العاصمة مدريد، التي أشادت بالخطوة من أجل ترسيخ التعاون الثنائي، ورفع مستوى الشراكة بين البلدين المتوسطيين إلى أرقى المراتب. كما شجّع الإعلام الإسباني على تطوير العلاقات الجزائرية- الإسبانية إلى آفاق أرحب في المرحلة القادمة، لاسيما في مجال التموين الطاقوي، وتنويع قطاعات التعاون خارج بوتقة الغاز والنفط، بما يخدم مصالح الطرفين ويحقق أهدافهما الإقتصادية.
وفي وقت سابق، أجرى وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، محادثات ثنائية مع وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون لمملكة إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس بوينو، وذلك على هامش أشغال الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين بجوهانسبرغ في جنوب إفريقيا.
وقد بحث الوزيران السبل الكفيلة بإعطاء دفع للعلاقات بين البلدين من خلال تعزيز الثقة المتبادلة وتطوير التعاون الثنائي. كما قدم المسؤول الإسباني خلال اللقاء، شكره للسلطات الجزائرية نظير مساهمتها الفعّالة في تحرير المواطن الإسباني «نافارو كاندا خواكيم»، شهر جانفي الماضي، مؤكدًا دعم بلاده لدور الجزائر في تعزيز الاستقرار والدفع بالتنمية في منطقة الساحل الصحراوي الإفريقي، وفقًا لما أورده بيان لوزارة الخارجية.
وفي نهاية شهر فيفري، قام وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، السيد إبراهيم مراد، بزيارة رسمية إلى مملكة إسبانيا، بدعوة من نظيره الإسباني، السيد فرناندو غراندي مارلاسكا قوماز، ضمن جهود تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.
والتقى مراد مع فرناندو بمقر الوزارة في العاصمة مدريد، وتناولا آفاق التعاون الثنائي بين قطاعي الداخلية، لاسيما في المجالات المتعلقة بالأمن الوطني والحماية المدنية، وكذا تبادل الخبرات بخصوص مكافحة الجريمة العابرة للحدود، وتنسيق الجهود الثنائية في مواجهة التحديات المشتركة.
وحملت الزيارة أهمية خاصة هدفت إلى ترسيخ التعاون الثنائي، وتنشيط التنسيق المستمر حول القضايا المشتركة، ودراسة الأنشطة والبرامج التي يمكن تنفيذها لتعزيز التعاون بين البلدين بما يخدم مصالحهما، ويُتيح مجابهة فعّالة للرهانات المشتركة، استنادًا إلى وزارة الداخلية الجزائرية.
والتقى إبراهيم مراد، كاتب الدولة للسياسة الإقليمية للمملكة الإسبانية، السيد أركادي إسبانيا غارسيا، وثمّن المقاربة الجزائرية الحالية التي تسعى إلى تحقيق التنوع الاقتصادي، وجعل الجماعات المحلية رافدًا لخلق الثروة، مع العمل على تكريس مبادئ التنمية المستدامة، مثل التوجه الحاصل نحو تجسيد مشاريع الانتقال الطاقوي، وكذا تنفيذ مشروع السد الأخضر الضخم في البلاد.
هذا الاجتماع سمح بالتعرف عن كثبٍ على عدد من النماذج الاقتصادية المحلية الناجحة بمملكة إسبانيا، لاسيما في مجالات الصناعة والسياحة والفلاحة، فضلا عن سبل إدماج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في النسق الاقتصادي المحلّي.
وفي ضوء تضارب المصالح بين الجزائر ومدريد في بعض ملفات المنطقة، رأى متابعون أن إسبانيا تبقى دولة صديقة تاريخيًا، وتطوير وتنويع العلاقات الاقتصادية معها يصبّ في مصلحة البلدين المتوسطيين، ويزيد من فرص تنويع شراكات استراتيجية مبنية على البراغماتية والمنفعة المتبادلة، خاصة مع حاجة دول قارة أوروبا إلى شركاء موثوقين لتزويدهم بإمدادات الغاز بانتظام.