أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تمنراست عربي لادمي لـ “الشعب”:

عودة الجزائر إلى عمقها الإفريقي أزعجت فرنسا

علي عويش

 

 ثلاثة أطراف أرادت تسميم العلاقة بين الجزائر وجيرانها في الساحل

عرفت السنوات القليلة الماضية عودة الجزائر إلى عمقها الإفريقي وتبنيها مقاربة اقتصادية تعتمد على الاستثمار مع الدول الإفريقية، إلى جانب تعزيز التضامن. هذا الوضع الجديد، لم تستَسِغه بعض الأطراف التي حاولت تسميم هذه العلاقات، من خلال نشر الأكاذيب والإشاعات بهدف ضرب العلاقة بين الجزائر ومحيطها الجغرافي، وفق ما يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تمنراست، الدكتور عربي لادمي في حوار لـ «الشعب».

الشعب: كيف أثّرت عودة الجزائر إلى عمقها الإفريقي على قرارات العديد من الدول الإفريقية التي بدأت في الخروج عن عباءة التبعية لفرنسا؟
الدكتور عربي لادمي: التأثير الجزائري في إفريقيا يعود لمؤشرات أساسية؛ أولها: الرمزية الثورية والتحرّرية للجزائر، حيث تُعتبر الثورة الجزائرية نموذجاً تاريخياً فريداً في إفريقيا، باعتبارها كانت سبباً في الإطاحة بأعتى قوة استعمارية وهي فرنسا.
هذه الرمزية الكفاحية، تمنحها شرعية معنوية في دعم حركات التحرّر، وهو ما دأبت عليه الجزائر عبر تاريخها، وقد كرّست ذلك في بيان أول نوفمبر، وفي دستورها الوطني، هذه الرمزية الثورية تعطي كذلك شرعية في القاعدة الشعبية في القارة.
 ثانياً، الحياد الإيجابي ورفض الاصطفاف الذي تتبناه الجزائر، والتقيّد بمبدإ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، أكسبها ثقة في علاقاتها مع الدول الإفريقية. هذا الحياد يظهر لنا جليّا في عدم فرض الجزائر لأجندات وعدم دعمها لجهات معينة على حساب أخرى، وهو ما عزّز من مصداقيتها مقارنةً بفرنسا التي تُتّهم بالهيمنة والاستغلال.
ثالثاً، الجزائر استثمرت بنجاح في الدبلوماسية الميدانية الفاعلة عبر جولات مكوكية لوزير الخارجية في عواصم دول الساحل، خاصةً بعد تغيير الأنظمة في كل من مالي، النيجر وبوركينافاسو، مع الإشارة إلى أن  الجزائر هي من قادت الوساطة الدولية لمفاوضات السلام في مالي ودعم المبادرات الإفريقية لحل النزاعات دون تدخل أجنبي وهو شعار رفعته الجزائر دوماً في هذا الخصوص.
المؤشر الرابع، وهو مبدأ الاحترام المتبادل المبني على عدم التعالي وهو مبدأ ركّز عليه رئيس الجمهورية، ما سمح للجزائر ببناء تحالفات جديدة في إفريقيا.
المؤشر الخامس، وهو مبدأ إفريقيا للأفارقة وهو ما جسّدته الجزائر حرفياً من خلال دفاعها المستميت على مصالح الأفارقة ورفضها لكل عضوية مشبوهة داخل الاتحاد الإفريقي، ومؤسساته ومنعها لعضوية الكيان الصهيوني في المنظمة عام 2022 ورفض الجزائر للحلول المفروضة من الغرب على الدول الإفريقية لحل النزاعات الداخلية في القارة ورفعها لشعار حل المشاكل الإفريقية بإرادة إفريقية دون إملاءات غربية.
بالفعل، عودة الجزائر إلى عمقها الإفريقي أثرت بشكل واضح على إعادة تشكيل التوازنات السياسية من خلال تقديم نموذج استقلالي مغاير لتوجهات الفرنكوفونية السياسية وتقويض سردية فرنسا كحامية الاستقرار في المنطقة المساهمة في إحياء خطاب السيادة والتحرر من الهيمنة.
 في لقائه الدوري مع وسائل الإعلام، أشار الرئيس تبون الى وجود ما أسماه «طرف ثالث» يسعى الى تسميم العلاقات الجزائرية المالية، عبر نشر الأخبار الكاذبة. من هي الجهات التي قد تستفيد من توتر هذه العلاقات؟ وما الهدف من ورائها؟
 أكيد هناك أطراف تسعى إلى تسميم العلاقات الدبلوماسية التي تربط الجزائر بالعديد من الدول، وهي مستفيدة من توتر العلاقات بين الجزائر ومالي. وأبرز هذه الأطراف هي فرنسا، المغرب والكيان الصهيوني، حيث نجد أن دوافع فرنسا كأحد هذه الأطراف تتجلى في اعتبارها للجزائر منافسا قويا لها في إفريقيا، خاصة الجزائر ما بعد 2019 التي تعتبر كدولة بقيت بمنأى عن الإملاءات الفرنسية.
 ناهيك عن مكانة الجزائر التي تحظى بشرعية تاريخية في المنطقة وتروّج لشراكات إفريقية خالصة. ومن بين الوسائل التي استخدمتها فرنسا في هذا الصدد، هو دعم شبكات إعلامية ناطقة بالفرنسية للترويج للأخبار الكاذبة، استغلال التوترات العرقية في الساحل لتشويه الوساطة الجزائرية وترويج سيناريو أن الجزائر تدعم أجندات معينة في شمال مالي.
ثاني طرف يسعى إلى تسميم العلاقات الجزائرية المالية، هو نظام المخزن الذي يسعى إلى كسر نفوذ الجزائر في الساحل كجزء من الصراع الجيوسياسي بين البلدين وتطويق الجزائر عبر توسيع نفوذه في دول الساحل.
 المغرب يرى أن للجزائر امتداد مجتمعي في دول الساحل وهي نقطة إيجابية لا تمتلكها الرباط وبالتالي تسعى هذه الأخيرة إلى بناء علاقات مع المجلس العسكري في مالي واستغلال التوتر القائم بين الجزائر ومالي لتقديم نفسه كبديل متوازن يخدم مصالح المالية، ودعم حملات تضليل بشأن نوايا الجزائر في المنطقة.
أما ثالث طرف يسعى إلى تسميم العلاقات الجزائرية المالية، هو الكيان الصهيوني، الذي يرى في الجزائر العدو اللدود الوحيد في المنطقة وبالتالي يسعى إلى تشويه صورة الجزائر، حيث يرى بأن الجزائر تقود خطا واضحاً في مناهضة التطبيع وتعد من الأصوات القوية ضده في إفريقيا، لذلك تسعى بعض الدوائر المرتبطة بالكيان الصهيوني إلى إضعاف المحور السيادي في إفريقيا من خلال الدعم غير المباشر لشبكات إعلامية إقليمية لتشويه صورة الجزائر وتحريض بعض الدول الإفريقية ضد الجزائر، بدعوى أنها تتدخل في شؤونها الداخلية.
 تبنّي الجزائر لمقاربة شاملة تعمل من خلالها على تعزيز الاستقرار الإقليمي في الساحل، هل هي بداية نهاية التوترات الإقليمية في المنطقة؟
 لا يمكن الجزم حالياً بأن هذه المقاربة قد تؤدي إلى نهاية التوترات في المنطقة، لكن يجب التنويه وتوضيح المقاربة الجزائرية الشاملة في دول الساحل والتي تقوم على ثلاث ركائز أساسية؛ منها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخّل العسكري الأجنبي المباشر في المنطقة، الى جانب ذلك طبيعة هذه المقاربة ذات الأبعاد الشاملة، تتجاوز المقاربة الأمنية التقليدية التي تنتهجها فرنسا في المنطقة، ناهيك عن ارتكاز المقاربة الجزائرية على الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية ورفض الإملاءات الغربية والحلول المستوردة. ويمكن اعتبار أن المقاربة الجزائرية هي بداية تجسيد مسار عقلاني لبناء إفريقيا. فالمقاربة الجزائرية تمثّل فرصة استراتيجية ولكنها تحتاج إلى زمن طويل لظهور نتائجها على أرض الواقع.
 تذهب بعض الأوساط الإعلامية إلى اعتبار الموقف الجزائري الداعي لوحدة القارة ولمّ شملها، سبباً مباشراً في موجة الوعي التي تجتاح الشعوب الإفريقية المطالبة بجلاء الفرنسيين وإنهاء تواجدهم في إفريقيا. كيف ذلك؟
 هذا الطرح صحيح إلى حد بعيد، حيث نجد أن للموقف الجزائري دوراً هاماً في توسيع دائرة الوعي الإفريقي، انطلاقاً من التجربة الجزائرية، سواء كانت تاريخية في مكافحة الاستعمار أو من خلال تجارب تنموية أو مكافحة الإرهاب. الشعوب الإفريقية تضع التجربة الجزائرية كمرجع نفسي وشرعي لكل حركات التحرر في القارة، بالإضافة إلى رفض الجزائر العلني للهيمنة الفرنسية على دول القارة، عكس بعض الدول التي تتعامل بازدواجية المعايير. فالخطاب الجزائري الواضح والحازم ضد التدخّل الفرنسي وعدم إدانتها للانقلابات الشعبية ضد التواجد الفرنسي، أكسب الجزائر احتراماً شعبياً في دول الساحل.
ناهيك عن أن التحولات المتسارعة في الساحل الإفريقي، وتصاعد الوعي داخل شعوب القارة، يضع الجزائر في موقع استراتيجي بالغ الأهمية، ليس فقط كفاعل إقليمي، بل كقوة رمزية تاريخية تملك من الرصيد الثوري والمقاربة الشاملة والنظرة السديدة ما يؤهلها للعب دور مركزي في إعادة تشكيل ملامح إفريقيا بعد الهيمنة الفرنسية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025