لا يمكن السكوت عن جرائم النهب والاغتصاب والحرق والتقتيل الجماعي والعقاب الجماعي وسياسة الأرض المحروقة
أكد البروفيسور محمد رزيق، أستاذ بكلية العلوم السياسية، أن قضية الذاكرة هي قضية تاريخية، أخلاقية، سياسية، اجتماعية واقتصادية لا يمكن التنازل عنها. وقال، إنه يتعين على الجزائر مطالبة فرنسا الاعتراف بجرائمها وتقديم التعويضات، كما فعلت بعض الدول الأخرى. وأشار إلى أن الجرائم، مثل النهب والاغتصاب والحرق والتقتيل الجماعي والعقاب الجماعي وسياسة الأرض المحروقة، لا يمكن بأي حال السكوت عنها.
أوضح البروفيسور رزيق، في اتصال هاتفي مع «الشعب»، أنه لا توجد دولة تعرضت للاستعمار كما تعرضت له الجزائر، حيث عاشت البلاد 132 سنة من الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، مثل النهب والاغتصاب والحرق والتقتيل الجماعي والعقاب الجماعي وسياسة الأرض المحروقة، مما أدى إلى حرمان الشعب الجزائري من حريته واستعباده. وأضاف، أن هذه القضية هي قضية تاريخية وقضية رأي عام، وأن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وفقًا لما ينص عليه القانون الدولي.
ورأى الباحث، أن الاشتغال على ملف الذاكرة من خلال المؤرخين والسياسيين والمثقفين، أمر جيد، خاصة مع وجود مئات الكتب وعشرات المقالات والأبحاث التي تدين فرنسا، بالإضافة إلى شهادات مجرميها مثل بيليسي دي رينو، دومونتنياك، سانت أرنو، لاموريسيار وشون غارني، الذين اعترفوا وتفاخروا في مذكراتهم بارتكاب هذه الجرائم.
كما أكد أن الجزائر يجب أن تستغل هذه المصادر الأصلية عند مطالبتها بحقوقها، مع ضرورة العمل في إطار إقليمي مغاربي، عربي وإفريقي، لتحقيق نتائج أسرع وأكثر فعالية. وأشار إلى أن القارة الإفريقية تعرضت لأبشع أنواع الاستعمار، على الرغم من كونها أغنى قارة، إلا أنها تظل من أفقر القارات.
وتحدث الأستاذ رزيق عن استغلال اليمين الفرنسي المتطرف للظروف الدولية لإيذاء الجزائر، حيث يهدد بإلغاء اتفاقية 1968، بينما الجزائر تملك سلاح تجريم الاستعمار والذاكرة. وقال: «لقد تم ضرب الجزائر في مقتل، ولا يزال الشعب يعاني حتى اليوم من آثار هذه الجرائم».
نهب خزينة القصبة
وفيما يتعلق بالسطو على كنز القصبة، وهو موضوع ظل مسكوتًا عنه لفترة طويلة، أوضح البروفيسور رزيق أن السبب الرئيس لاحتلال فرنسا للجزائر لم يكن حادثة المروحة، التي كانت قضية مختلقة، بل كان الهدف الحقيقي هو السطو على ثروات الجزائر، خاصة خزينة الجزائر التي كانت تُعتبر في ذلك الوقت أكبر وأغنى خزينة في العالم. وأضاف، أن هذا السطو يعد جرمًا مشهودًا وبالدليل، ولا يسقط بالتقادم، مطالبًا الجزائر بالسعي لإرجاع كل المبالغ المالية والمعادن النفيسة التي سُرقت.
وأشار إلى أن هناك تضاربًا في تقديرات قيمة كنز القصبة المسروق، حيث قدر بعض المؤرخين الفرنسيين المبلغ بـ150 مليون فرنك، بينما أكد القنصل البريطاني في الجزائر، سان جون، أن المبلغ كان يصل إلى 750 مليون فرنك في تلك الفترة، وليس 48 مليون فرنك، كما ادّعى البعض. وأضاف، أن ما سُرق لم يكن فقط نقودًا، بل أيضًا سلعا وذهبًا وفضة وألماسًا، فضلاً عن المجوهرات، الزرابي، الصوف، السيوف، البنادق، الأسلحة، المعادن الثمينة، الأواني الفضية، الألبسة والأثاث الفاخر. وأوضح أن قيمة أصغر بندقية في تلك الفترة كانت تعادل شراء فندق اليوم.
وفي كتابه «سطو على مدينة الجزائر.. تحقيق في عملية نهب جويلية 1830»، كشف المؤرخ بيار بيان، عن حجم الجريمة الفرنسية في سرقة كنز القصبة، حيث أشار إلى أن المبلغ كان يتجاوز 500 مليون فرنك، ما يعادل 4 ملايير يورو في الوقت الحالي. وقد استفادت من هذه الأموال شخصيات مثل لويس فيليب، والدوقة دو بيريه، وضباط في الجيش، وبعض المصرفيين والصناعيين، مثل عائلتي سيليير وشنيدير، كما ساهمت هذه الأموال في تطوير صناعة الحديد والصلب الفرنسية. واعتمد بيار في تحقيقه على وثائق تاريخية، مثل مذكرة جان باتيست فلاندان، المقرر السابق للجنة تحقيق سبتمبر 1830، وتقرير محافظ الشرطة بييتري عن نهب كنوز الجزائر في 15 يوليو 1852، بالإضافة إلى محاضرة الأستاذ مارسيل إيمريت في الجزائر عام 1954 حول كنز القصبة.
وأشار التحقيق إلى أن الجنود الفرنسيين قاموا بتحميل 206 أكياس من الكتان الرمادي مملوءة بالفضة، و57 سبيكة خام من الفضة تزن 4673 كيلوغرامًا، وسبيكة من الذهب تزن 44 كيلوغرامًا، بالإضافة إلى 20 صندوقًا يزن كل منها 120 كيلوغرامًا، و22 صندوقًا بوزن 60 كيلوغرامًا، و6 براميل تحتوي على 2000 كوادروبل إسباني أو برتغالي.