خطاب استعدائي منحط للطغمة ينذر بوجود بصمة يد عابثة من الخلف
تجمع القراءات الأولية على ارتكاب الطغمة الانقلابية في مالي أخطاء جسيمة «لا تغتفر»، بتهجمها المجاني والمنحط على الجزائر، بحيث رسخت مكانتها «كمتمردة الفضل» ومنعدمة الرؤية لإدارة أزمة هجينة تنذر وتعم تداعياتها كامل منطقة الساحل.
يثبت خطابها الاستعدائي «المنحط» وجود بصمة يد عابثة من الخلف، تحرض لإثارة القلاقل في العمق الخلفي للجزائر، والتقت أطماع أولئك «العسكريين الصغار» مع قوى الشر التي تريد رمي عود الثقاب في فتيل الأزمات بالمنطقة، وضرب الروابط القوية والمتينة بين دولها.
وفي سياق تحليله للتطوّرات الميدانية على الأرض، أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تامنغست، الدكتور عربي لادمي محمد، إلى أن اختراق الدرون المالي للأجواء الجزائرية وحتى وإن لم يكن فعلاً متعمّداً، فهو خطأ عسكري على باماكو أن تدفع ثمنه. واستند المتحدث في ذلك إلى ضعف تدريب الجيش المالي وصعوبة تحكّمه في هذا النوع من التكنولوجيا المتطوّرة، ناهيك عن إدراك القادة العسكريين في مالي مدى قوة وجاهزية الجيش الجزائري وعدم تساهله مع هذه التجاوزات.
وكشف عربي لادمي لـ «الشعب»، عن وجود أطراف من خارج المنطقة تسعى إلى تأجيج الأوضاع وجر المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه، الى جانب النظام المغربي الذي تبدو بصمته واضحة في الأزمة الحالية القائمة بين الجزائر ومالي -على حد تعبيره.
وقال لادمي، إن البيان الصادر عن الطغمة الانقلابية، جاء بعد إيعاز واضح من دول من خارج المنطقة، وهو بيان يوضح مدى التخبّط الذي يعيشه هؤلاء الإنقلابيون الذين يعتقدون بأن هذه الأطراف التي تدفعهم إلى الهاوية، قادرة على حمايتهم ودعمهم اقتصادياً وعسكرياً، وهو ما اعتبره المتحدّث «قصوراً في التفكير السياسي»، خاصة في هندسة السياسة الخارجية.
وذكّر المتحدّث بعمق العلاقات التي تربط الجزائر بمالي، النيجر وبوركينافاسو، والتي ترتكز على ثلاثة أبعاد تجعل من هذه الدول الثلاث غير قادرة على تهميش الدور الجزائري في المشهد الداخلي لها، موضحاً بأن قصور نظر القادة الانقلابيين أوهمهم بمقدرتهم على مقارعة الجزائر.
وتابع المتحدّث، إن البعد الأول هو تنموي بحت، وهو ما يظهر جلياً من خلال تبني الجزائر، منذ الاستقلال، لمقاربة تنموية تسعى من خلالها إلى تحقيق التنمية المستدامة في دول الساحل جنوب الصحراء، ودعمهم مالياً، سواء من خلال منح مساعدات مباشرة أو مسح الديون المترتّبة عليها، وهي مقاربة شاملة تدخل في صلب السياسة الخارجية للجزائر، باعتبارها الوسيلة الأنجع لبناء الدول وجلب الاستقرار السياسي والاجتماعي. في الوقت الذي كانت فيه بعض الأطراف الأخرى ترافع لأجل تبني مقاربة أمنية عسكرية في هذه الدول.
واستطرد محدّثنا قائلاً، إن البعد الثاني الذي يربط الجزائر بدول الساحل جنوب الصحراء، هو التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة، والتي قدّمتها السلطات الجزائرية «على طبق من ذهب» لهذه الدول من أجل الاستفادة منها وإسقاطها داخلياً من أجل استتباب الأمن، مشيراً إلى أن المراهقين الذين انقلبوا على السلطة في مالي، لم يستوعبوا الدرس بعد، وظنوا أنهم بإخراجهم لفرنسا من المنطقة أصبحوا قادرين على اجتثاث الإرهاب وبناء دولهم بشكل منفرد دون الحاجة إلى الجزائر، «وهذا خطأ استراتيجي ارتكبه العسكريون المراهقون في مالي».
وأكّد أستاذ العلوم السياسية على أن المخزن المغربي هو الذي يحرّك دمى القراقوز التي تحكم مالي حالياً، حيث كانت الرباط وراء تراجع باماكو عن اتفاق السلام الموقع في الجزائر مباشرةً عقِب زيارة وزير الخارجية المالي الى الرباط أواخر العام المنصرم، وهو ما يعدُّ قرينة واضحة ودليلاً دامغاً على سعي الرباط إلى إحداث شرخ في العلاقات بين الجزائر وجيرانها في الجنوب الذين صدّقوا بسذاجة الادعاءات المخزنية، وها هم يكررون اليوم نفس الخطأ بادعائهم بأن الجزائر راعية للإرهاب في المنطقة وبأنها تعدّت على التراب المالي.
ولفَت لادمي إلى أن الطغمة الإنقلابية الفاسدة التي تحكم مالي، قد أصيبت بالسذاجة السياسية وتناست التاريخ المشترك الذي يربط الجزائر ببعدها الجيوسياسي، سواء في مالي أو النيجر أو بوركينافاسو، كما تناسوا بأن للجزائر امتداد تاريخي ومجتمعي قوي مع شعوب الساحل، وبأن الجزائر ثاني أكبر قوة عسكرية في إفريقيا وقوة اقتصادية متعاظمة في القارة. هذه المعطيات –يواصل قائلاً- هي التي تحرّك أعداء الجزائر من أجل توريط هؤلاء المراهقين، ويؤرق الرباط بالدرجة الأولى.
ونوّه المتحدّث إلى أن نظام المخزن، الذي لا يتوانى عن تدبير المكائد للجزائر، سيجد نفسه مكشوفاً أمام العالم، بعد أن تثبت الأيام فشل هذه الدول التي راهن عليها لزعزعة استقرار الجزائر من حديقتها الخلفية. كما ستدرك هذه الطغمة الانقلابية من المراهقين السياسيين، مدى صِغر حجمهم قبل أن يعودوا صاغرين إلى جادة الصواب، «فهم لا يملكون طول النفس لمجاراة الدبلوماسية الجزائرية، وستتحوّل الجزائر إلى كانوسا بالنسبة لهم بعد أن يعودوا مرغَمين إلى طاولة الحوار».
واختتم الاستاذ قائلاً، إن هذه الشطحات لا تعدو كونها محاولات بائسة يائسة من طرف حفنة من المراهقين من أجل صرف أنظار الرأي العام الداخلي في هذه الدول عن مآسيهم ومشاكلهم الداخلية، باستعراضات لن تؤثر على الجزائر، بدليل أن الرد الجزائري على هذه الاستفزازات هي ردود واقعية وفي محلها، وتقوم على أساس المعاملة بالمثل والعقلانية في اتخاذ القرارات، وبالتالي لن يستمروا كثيرا حتى يعودوا إلى الجزائر.