زمرة غير دستورية منحرفة تريد العبث بأمن الساحل

حكم الطغمة الإنقلابية في مالي.. مستنقع الفوضى والخراب

علي مجالدي

 

 استهـــــــــداف ممنــــهج للسكــــــــان الأصليـــــــــــــــــين فــــــــــــي شمـــــــــال البـــــــــــــــلاد
 استعانة بالمرتزقة.. ضرب للأمن والاستقرار وتغذيـــــــة للجماعــــــات الإجراميــــــة والإرهابيـــــة
 استغلال الوضع المتردّي والهش لتنمية عمليات التهـــــريب وتجــــــارة البشــــــر والســـلاح والمخــــــدرات

تعيش دولة مالي في السنوات الأخيرة، على وقع أزمات متلاحقة غذتها سياسات سلطة الأمر الواقع التي استولت على الحكم دون تحديد واضح لمدة الفترة الانتقالية. هذه الطغمة الانقلابية، التي تدّعي العمل على استعادة السيادة الوطنية وإعادة الأمن، لم تنجح سوى في تحويل البلاد إلى بؤرة صراع معقدة تهدد استقرار منطقة الساحل بأكملها.

لم تتوقف الانتهاكات الممارسة من قبل الطغمة الانقلابية عند حدود الاستيلاء على السلطة فحسب، بل تجاوزتها إلى ممارسات أدخلت البلاد في دوامة من العنف الممنهج. فمن خلال استعانتها بالمرتزقة، حاولت الطغمة الانقلابية تعزيز وجودها العسكري في شمال البلاد، مما أسهم في تفاقم الأوضاع الأمنية وزيادة التوترات مع سكان الأقاليم الشمالية.
علاوة على ذلك، ارتبط تواجد المرتزقة في مالي بارتكاب جرائم حرب وتجاوزات ضد المدنيين الأبرياء، حيث تحدثت تقارير متعددة، عن عمليات قتل جماعي واستهداف ممنهج للسكان الأصليين في شمال البلاد، بهدف فرض السيطرة بالقوة وإخماد أي حركة معارضة. وعلى الرغم من ادعاءات المجلس العسكري الانقلابي، بمحاربة الإرهاب وتطهير البلاد من المجموعات المسلحة، إلا أن الواقع يظهر أن هذه السياسات ساهمت في تعقيد المشهد الأمني بدلًا من تحسينه.
وبالنظر إلى الوضع العام في مالي، يتبين أن الطغمة العسكرية سعت إلى تقوية سلطتها دون الاكتراث بضرورة إيجاد حل سياسي شامل للأزمة. فبدلًا من محاولة التفاوض مع الأطراف الفاعلة في الشمال والبحث عن حل سياسي، اختارت السلطات في باماكو اللجوء إلى الخيار العسكري خارج الشرعية الدستورية والاستعانة بمرتزقة.
وقد تسبب هذا النهج الإنتحاري في تفجير صراعات جديدة وزيادة حدة الانقسامات الداخلية، خاصة مع رفض المجلس العسكري تضمين اتفاق السلام والمصالحة الموقع سنة 2015 في الدستور الجديد.
في سياق متصل، لم تكتف السلطات الانتقالية في مالي بالتنصل من اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة لعام 2015، بل تجاوزت ذلك إلى استعداء الدول المجاورة، حيث شهدت العلاقات مع موريتانيا توترا واضحا على خلفية تجاوزات المرتزقة المتورطين في تهريب المخدرات والسلاح واستغلال الوضع الأمني الهش.
كما تزايدت وتيرة الانتهاكات التي تقوم بها السلطات الانتقالية في مالي، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات وتهريب البشر واستغلال الثروات الوطنية لتسديد أجور المرتزقة. وتعكس هذه الممارسات انحرافًا خطيرًا عن مسار بناء الدولة، وتؤكد أن الهدف الحقيقي للطغمة العسكرية هو الاستحواذ على الثروات الطبيعية للبلاد بدلًا من تحسين أوضاع الشعب المالي.
الاستقواء بالمرتزقة واللفيف الأجنبي
كذلك يتضح، برأي مراقبين، أن هذه الطغمة لا تملك أي خطة لإعادة الاستقرار إلى البلاد، بل تكتفي بإصدار الوعود الزائفة التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ. وعلى عكس ما تدعيه بشأن محاربة الإرهاب، فإنها في الواقع تستغل هذه الذريعة لتعزيز قبضتها على الحكم وتبرير تدخلاتها العنيفة ضد السكان وهو ما يعد وفق المواثيق الدولية إرهاب دولة.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت هذه السياسات الرعناء في فتح الباب أمام التدخلات الخارجية، حيث تحولت مالي إلى ساحة صراع بين القوى المتنافسة على النفوذ في منطقة الساحل. ويبدو أن الاستعانة بالمرتزقة قد زاد من حدة هذا الصراع، بدلًا من تعزيز السيادة الوطنية، كما تدعي السلطات الانتقالية.
في نفس السياق، يُظهر غياب الاستراتيجية السياسية الواضحة لدى المجلس العسكري الانقلابي، فشلا ذريعا في مواجهة التحديات الأمنية المتعددة التي تتخبط فيها البلاد. إذ تحولت مالي إلى مركز للتوتر الإقليمي الذي يمتد تأثيره إلى الدول المجاورة، خاصة مع استمرار تدفق المهاجرين الفارين من العنف والمواجهات المسلحة.
ومن خلال تتبع الأحداث الأخيرة، يتبين أن السلطة الانتقالية لم تنجح في إحلال الاستقرار، بل على العكس، ساهمت في تعميق الأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. كما أن سياسات المجلس العسكري الذي يتخذ من القوة وسيلة لتثبيت حكمه، أدت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وزيادة معاناة الشعب المالي الذي يجد نفسه رهينة لحكومة تفتقر إلى الشرعية الشعبية والدستورية والدولية.
ويتعين على المجتمع الدولي متابعة الأوضاع في مالي بحذر والعمل على دعم الحلول السياسية التي تضمن انتقالا سلميا للسلطة. فاستمرار الطغمة العسكرية في سياستها الحالية، لا يعني سوى مزيدا من الفوضى والتدمير لمقدرات البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة في منطقة الساحل التي تعاني أصلا من أزمات معقدة ومتشابكة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025