أكدت ريادتها في بناء رؤية إعلامية مضـادة للتضليل

الجزائر تحشد الجهود القارية لمواجهة حروب الجيل الرابع

زهراء.ب

بلادنا مستهدفة بحملات تضليل تسعى إلى تعطيل مسيرتها التنموية 

الحقيقة.. الصدق والمسؤولية.. قيم الصحافة المهنية لمواجهة الإشاعات 

إنشاء منصة إعلامية إفريقية تتولى تصحيح المعلومات المغلوطة 

الإعلام الاحترافي الموحد.. رد حقيقي علــى الحروب الناعمـة

أكدت الجزائر، مرة أخرى، ريادتها في بناء رؤية إعلامية جديدة تقوم على المهنية والالتزام والدفاع عن القيم المشتركة، لمواجهة تعاظم حملات التضليل وزعزعة الاستقرار التي تستهدف الجزائر والدول الإفريقية دون استثناء، حيث أثبتت آخر الدراسات أن حرب التضليل على إفريقيا تضاعفت أربع مرات منذ 2022، إذ تحول الإعلام إلى ساحة معركة ناعمة، تشن فيها حروب غير تقليدية، تستهدف العقول والتماسك الاجتماعي وتستغل الفضاء الرقمي لنشر الفتن والإشاعات وتشويه صورة الدول.

شكلت أشغال الورشة الإقليمية لبلدان شمال إفريقيا، المنعقدة هذا الأسبوع بالجزائر العاصمة، منصة إنذار جماعي حول التهديد المتزايد للمعلومات المضللة التي تكتسح الفضاء الرقمي الإفريقي، بعدما أصبحت، وفق وصف المشاركين فيها، «ساحة عمليات فعلية» تحتاج إلى رد أمني متكامل.
في السياق، شدد وزير الاتصال محمد مزيان، الضيف الشرفي لهذه الورشة الإقليمية، على أن الجزائر كانت ولا تزال هدفا لحملات تضليل متكررة تسعى لتعطيل مسيرتها التنموية وضرب رموزها الوطنية. هذه الحملات، التي تتخذ من الإشاعة أداة ومن الفضاء الرقمي منصة، لم تعد مجرد تهديدات ظرفية، بل أضحت معاول هدم استراتيجية تستوجب ردة فعل جماعية وقارية.
وبخلاف المقاربات التقليدية التي تعتمد على الردع فقط، اقترحت الجزائر خلال أشغال هذه الورشة، بناء منظومة قانونية متكاملة تستكمل بنصوص تنظيمية حديثة، إلى جانب تعزيز أدوات الاتصال المهني. فـ»الإشاعة تنتشر عندما نعيش عجزا في الاتصال»، مثلما قال وزير الاتصال، داعيا إلى بناء جبهة إعلامية مهنية، لا تنتمي إلى أي حزب أو تنظيم، بل تتحد حول قيم الصحافة المهنية: الحقيقة والصدق والمسؤولية.
في هذا السياق، كثفت الجزائر جهودها في تنظيم دورات تكوينية لفائدة الصحفيين، لتزويدهم بالأدوات المهنية الضرورية لمواجهة التضليل الإعلامي. كما تم تنظيم ورشات كبرى، على غرار «ورشة وهران»، «ورشة قسنطينة» التي شهدت تفاعلا مثمرا من الأسرة الإعلامية وطرحت توصيات سيتم رفعها إلى رئيس الجمهورية.
من بين الاقتراحات اللافتة، طرحت الجزائر فكرة منصة إفريقية للتنسيق المعلوماتي، تعمل على ربط أجهزة الإعلام بالأجهزة الأمنية والاستخباراتية، بما يتيح تعقب الإشاعات وتفنيدها بشكل فوري. كما دعت إلى إنشاء منصة إعلامية إفريقية مضادة، مهمتها كشف الأكاذيب وتصحيح المعلومات المغلوطة، في تناغم تام مع مقتضيات احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان.
ولم تقتصر رؤية الجزائر على مواجهة التحديات الحالية، بل امتدت إلى تصور طموح للمستقبل، يشمل تنظيم لقاء إفريقي حول الإعلام الرقمي، واقتراح تعاون في مجال الصناعة السينمائية لتشكيل وعي جماعي مشترك، والدعوة إلى إنشاء منصات إعلامية اقتصادية تعنى بمواكبة التحولات الكبرى التي تعرفها القارة.
من خلال هذه المبادرة، تؤكد الجزائر أن الرد الحقيقي على الحروب الناعمة لا يكون بالصمت أو الانفعال، بل ببناء إعلام احترافي موحد، يحسن قراءة التهديدات، ويعلي شأن القيم المهنية، ويحصن الرأي العام بالمعلومة الدقيقة والتحليل الواعي.
فقد آن الأوان، كما قال وزير الاتصال، أن تتجاوز المعركة بعدها الوطني لتصبح معركة قارية، يتشارك فيها الأفارقة أدوات المواجهة وآفاق التعاون، حماية لمجتمعاتهم ودفاعا عن حقهم في إعلام صادق ومسؤول.
 وأكد التزام الجزائر الثابت، حكومة وشعبا، بدعم مساعي الاتحاد الإفريقي لتعزيز الأمن الرقمي كأحد أوجه السيادة القارية. مضيفا، أن الجزائر، التي لطالما عرفت بدورها المحوري في استقرار شمال إفريقيا، تسعى اليوم إلى توظيف خبرتها في مكافحة التضليل وتحصين الرأي العام في وجه الحملات الرقمية الممنهجة بعدما أصبحت المعلومات، في عصر الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، سلاحا جيوسياسيا فتاكا يستخدم لهدم التماسك المجتمعي وتقويض مؤسسات الحكم، ولم تعد الإشاعة مجرد حدث عابر، بل تحولت إلى «منصة هجومية»، تفعل عبر الحسابات الوهمية والروبوتات الرقمية (Bots) والمؤثرين الرقميين، وتضخم عبر خوارزميات تكرار منظمة، تستهدف العواطف وتضعف الحقائق.
وبحسب ما كشف عنه المشاركون في أشغال الورشة الإقليمية الإفريقية، استنادا إلى البحوث التي تم عرضها، فقد تضاعفت حملات التضليل في إفريقيا أربع مرات خلال السنوات الأخيرة، أغلبها مدعوم من أطراف أجنبية تستغل التنوع الثقافي واللغوي في القارة لزرع الشك والانقسام، مما يفاقم النزاعات ويفكك الروابط الاجتماعية. كما تم تسجيل محاولات اختراق لأكثر من 20 دولة إفريقية عبر حملات ممنهجة تهدف إلى التشكيك في شرعية العمليات الانتخابية وتشويه الرموز الوطنية.
في هذا السياق، أجمع المشاركون على ضرورة إنشاء آليات قارية لرصد وتحليل المحتوى الزائف وتعزيز القدرات التقنية للتحقيق الرقمي وتوفير الدعم الفني وبناء «حصانة معلوماتية جماعية».
كما اقترحوا وضع تشريعات صارمة تلزم المنصات بمعايير شفافية المحتوى، وبناء قدرات تحقيق رقمية لدى أجهزة الأمن، وإطلاق برامج توعية شبابية واسعة النطاق، وإدماج مكافحة التضليل في استراتيجيات الأمن البشري والتنمية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025