تعتبر زيارة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون إلى بشار، نقطة تحول محورية في تاريخ الجنوب الجزائري، وعربون التزام صادق منه بتجسيد العدالة الجهوية والإنصاف التنموي، أين وقف على إطلاق مشاريع تنموية كبيرة، من عاصمة الجنوب الغربي للبلاد بشار، المشاريع بأبعادها الجيو-إستراتيجية والاقتصادية والتنموية.
أوضح الخبير في السياسات الحكومية، البروفيسور فارس هباش، في قراءة لزيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى بشار، أن وضع حجر الأساس لتدشين مصنع لمركز حبيبات الحديد والصلب ببشار، يندرج ضمن سياق إستراتيجية إقتصادية وطنية تهدف إلى تثمين المقدرات الطبيعية الخام بما فيها المنجمية، وإعادة تصنيعها كمواد أولية للصناعات التحويلية محليا أو تصديرها كمنتجات مصنّعة بدل المنتج الخام، ممّا يدر قيمة اقتصادية أكبر من قيمة المنتوج الخام المصدر إلى الخارج، ليعاد إستيراده من جديد في شكل مواد أولية مصنّعة أو نصف مصنّعة بأسعار تتجاوز بأضعاف سعرها في حال تصنيعها محليا، وهو المطبّ الاقتصادي الذي ركّز رئيس الجمهورية على عدم الوقوع فيه، من خلال تعليماته الصارمة بإقامة صناعات تحويلية وبتروكيماوية حقيقية بالبلاد لتصنيع المواد الأولية بدل استيرادها.
في هذا الإطار، أكّد فارس هباش، أنّ مصنع مركز الحديد والصلب، لتثمين خام الحديد القادم من منجم غار جبيلات بتندوف، حيث سيتم تحويل 2 مليون طنّ/سنويا، من الحديد الخام إلى مليون طنّ/سنويا من الحديد المركز، سيوجّه إلى مركبات الحديد والصلب بوهران وجيجل وعنابة، ما يشكل قيمة مضافة للصناعة المنجمية بالجزائر، وصناعة الصلب، كما سيساهم في وضع قاعدة صلبة ومتينة لتصنيع المواد الأولية انطلاقا من خام الحديد، الذي ينتجه منجم غارا جبيلات بتندوف.
ويرى المتحدث أنّ هذا المشروع سيتعزّز أكثر بعد دخول خط السكة الحديدية الرابط بين تندوف وبشار على مسافة 950 كلم حيّز الخدمة الفعلي، وكذا توفير المياه عبر محطات لإنتاج المياه المصفاة انطلاقا من المياه المستعملة، إضافة إلى عملية الربط بالكهرباء، وهو ما يفسر الاستنفار الحكومي والتنسيق القطاعي المكثف من أجل توفير أرضية مهيأة لنجاح المشروع، تتوفّر على جميع عوامل الإنتاج ، بدءا بالعقار الصناعي ثم البنى التحتية من شبكة طرقات وسكك حديدية وإمدادات طاقوية والمياه.
مركـــز إشعـــاع تنموي..
بالرجوع إلى البعد الاقتصادي لمشروع مصنع مركز حبيبات الحديد بتماونت ببشار، أفاد البروفيسور هباش أنّ هذا الأخير يشكل قيمة مضافة ترفع من فرص بلوغ الناتج المحلي الخام للبلاد 400 مليار دولار مع نهاية 2027، والحفاظ على المرتبة الريادية التي تتبوؤها الجزائر كثالث اقتصاد إفريقي، ممّا يستوجب، حسب ذات المتحدث، استثمار كل مكامن القوة الاقتصادية للجزائر من مقدرات طبيعية وموارد بشرية، مثمّنا بالمناسبة هذا الإنجاز الاقتصادي الذي يعزّز سلسلة مصانع الحديد والصلب المنتشرة عبر التراب الوطني، كمصنعي توسيالي ببطيوة وبلارة بجيجل والحجار بعنابة، ويتوقع المتحدث، أن تنظم إلى شبكة المصانع هذه، شركات ماليزية كانت قد أودعت طلبات إستثمار بالجزائر في هذا المجال، وهذا بعد التسهيلات والضمانات التشريعية التي قدمتها الدولة الجزائرية لشركائها من جميع دول العالم، من خلال قانون الاستثمار 18/22، إضافة إلى توفّرها على خامات طبيعية هائلة من المعادن والنفط والمناخ الملائم لمختلف أنواع الزراعات والمنسوب المرتفع من المياه الجوفية بالجنوب خاصة.
من جهة أخرى، سيمكن المشروع ببعده التنموي الاجتماعي من خلق مناصب شغل تتوق إليها ساكنة الجنوب، وتحريك سوق المناولاتية، ممّا سيحرك عجلة التنمية على مستوى الجنوب الكبير ويحقّق الإنصاف التنموي والعدالة الجهوية كخط أحمر يفصل بين سنوات التهميش التنموي بالجنوب والجزائر المنتصرة، التي تُبنى بسواعد جميع أبنائها دون استثناء لأي فئة أو منطقة.
وأشاد رئيس الجمهورية خلال تدشينه لعدة مشاريع تنموية، كانت مدرجة ضمن خانة المستحيلات في الماضي القريب، بالإرادة القوية للكفاءات الجزائرية، التي تمكّنت من تسليم المحطات الخمس في آجالها المحدّدة التي لم تتجاوز 24 شهرا، وخط السكة الحديدية الرابط بين بوغوزل والجلفة والخط الرابط بين بشار والعبادلة وغيرها من المشاريع، التي كان المورد البشري الجزائري فاعلا قويا في تجسيدها.
أما بالنسبة للبعد الجيو-استراتيجي للمشروع، فقد أوضح البروفيسور هباش، أنّ القطاع المنجمي والاستثمارات المتعلقة بالمعادن لا سيما الحديد والصلب، تعتبر اليوم ضمن الرهانات الجيو-إستراتيجية العالمية، التي تمتلك الجزائر أوراق رابحة لكسبها، لتوفّرها على احتياطات منجمية ذات ترتيب عالمي من حيث احتياطي المعادن، على غرار الفوسفات بواد الهدبة بتبسة، الزنك بواد أميزرو ببجاية والحديد بغار جبيلات بتندوف، التي ستشكل حلقة قوية ضمن سلسلة القيم، التي تكمل احتياطي الأتربة النادرة والطاقات الأحفورية الذي تتوفر عليه البلاد، وفرص إنتاج الطاقات المتجدّدة، لكسب رهان الاستقلالية الاقتصادية التي جعل منها رئيس الجمهورية التزاما يكمل السيادة السياسية للبلاد.