يشهد العالم تطوّرا سريعا في مجال التكنولوجيات الحديثة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، ممّا يطرح تساؤلات حول كيفية استخدامه بشكل أخلاقي يحترم القيم الإنسانية والاجتماعية، وفي هذا الإطار، تعمل الجزائر على توجيه إعلامها ليكون أكثر وعيا ومسؤولية، من خلال قوانين حديثة مثل القانون العضوي للإعلام، لضمان جاهزية إعلامية تحافظ على الهوية الوطنية وتواجه تحديات العصر الرقمي.
صرّحت أستاذة الإعلام والاتصال بالمركز الجامعي مرسي عبد الله بتيبازة، الدكتورة مريم ضربان لـ «الشّعب»، أنّ «شعار هذا العام لحرية التعبير يتمحور حول الذكاء الاصطناعي، وتحديدا كيفية استخدامه أخلاقيّا كأداة تعكس القيم العالمية.
وأفادت، أنّ البحث في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي أصبح وسيلة لفهم كيفية توطين التكنولوجيا وتكييفها لتتناسب مع القيم المحلية، وأضافت أنّ الجزائر تراهن على مرجعياتها الكبرى، وقد تجلّى هذا التوجّه في قانون الإعلام، الذي يوجّه الإعلامي إلى عدم الانبهار الأعمى بالتكنولوجيا، ولا بقدرتها على «التقويل» أو التضليل، خاصة في عصر الإعلام ما بعد الحقيقة.
وقالت ضربان، إنّ استخدام التقنية يجب أن يتمّ بشكل إنساني وواع، وبما يتماشى مع مقوّمات الدولة، وهو ما يسمى بـ»الجاهزية الإعلامية»، التي تعكس السيادة الإعلامية والسيادة على التكنولوجيا، بل يتعدّاه ليعكس قدرة الدولة على ممارسة سيادتها الإعلامية، والتحكّم الواعي في مسار استخدامها للتكنولوجيا، بما يخدم مصالحها الوطنية ويعزّز مكانتها في الفضاء الرقمي.
كما أوضحت المتحدثة، أنّ الدولة من خلال تحديث ترسانتها القانونية منذ قانون الإعلام 1982، مرورا بـ 1990 و2012، وصولا إلى 2023، تسعى لتحسين الأداء الإعلامي وأخلقة الممارسة الصحفية، وتوجيه الصّحفيّين نحو استلهام روح المواطنة، لا سيما في ظل التحول الرقمي، كما شدّدت على ضرورة الوعي بالمسافة الفاصلة بين الإعلام والتسارع التقني، وبين السبق الصّحفي وروح المواطنة، وبين الهاشتاغ والهوية الوطنية.
وفيما يتعلّق بالتحديات الراهنة، ذكرت الأستاذة ضربان أنّ الجزائر تواجه هجمات إعلامية عبر وسائل التواصل، يقودها الذباب الإلكتروني، إضافة إلى حروب الجيل الرابع والخامس التي تستهدف استقرار الدولة، كما بيّنت أنّ الجزائر، ورغم احترامها لقيم الآخرين، ترفض أي حرية تتعارض مع دينها وهويتها وتاريخها، وهو ما يجعل حماية الأمن الإعلامي جزءا لا يتجزأ من حماية الأمن المجتمعي والسيادي.
وأكّدت في ذات السياق، أنّ الإعلام ليس مجرّد وسيلة، بل أصبح فاعل استراتيجيا في الاستقرار أو زعزعته، لذلك تسعى الجزائر إلى بناء إعلام أخلاقي قائم على مناعة قيمية، مشيرة إلى أبرز المبادرات في هذا الإطار، التكوينات الجهوية التي يشرف عليها وزير الاتصال، والتي تعنى بالارتقاء بالإعلام ومنع انزلاقه نحو خطاب الكراهية أو التمييز، الذي عادة ما تكون نتائجه وخيمة.
ونوّهت الدكتورة مريم ضربان، إلى أنّ الجزائر تراهن على حماية المجتمع والحفاظ على لحمته، سواء بين الشّعب وجيشه، أو بين المواطن ومؤسّساته، أو بين مكوّنات الشّعب ذاته، عبر مشاريع إستراتيجية مثل «ميديا سيتي» التي تهدف إلى الحفاظ على هوية الدولة وصورتها الاتصالية محليّا ودوليّا.
وأكّدت أيضا، أنّ الإعلامي من يقود التقنية، لا أن تقوده، فـ «الصّحفي يكافح في ميدان الحقيقة، لا تابع للترندات الزائفة»، مشيرة إلى أنّ الجزائر تؤسّس لأخلاقيات تكنولوجية بروح محلية من خلال مدرستها الوطنية للذكاء الاصطناعي.
وعليه، فإنّ الجزائر اليوم تسعى إلى بناء إعلام أخلاقي ومسؤول يواكب تطوّرات الذكاء الإصطناعي، دون التفريط في القيم الوطنية والهوية الثقافية، من خلال قوانين جديدة وتكوين مهني هادف، لضمان سيادة إعلامية تحمي المجتمع وتخدم مصلحة الوطن.