أجمع الخبراء على أن صالون البناء ومواد البناء والأشغال العمومية «باتيماتيك 2025» يعدّ منصة استراتيجية لتجسيد التحوّلات التي يشهدها قطاع البناء في البلاد، من خلال تعزيز الإنتاج المحلي لمواد البناء، واستقطاب الشركات الوطنية والدولية، بما يدعم التوجه نحو الاكتفاء الذاتي والتعاون التقني، تماشيا مع رؤية الدولة لدعم الاقتصاد المنتج.
في هذا الصدد، صرّح الخبير الاقتصادي مراد كواشي لـ»الشعب»، أن تنظيم الصالون المتخصّص في البناء والأشغال العمومية في الجزائر، جاء في توقيت يعكس الحركية الاقتصادية الكبيرة التي تعرفها البلاد، خاصة في هذا القطاع الحيوي، فقد أعلن رئيس الجمهورية مؤخرا أن الجزائر تمكنت من إنجاز 700 ألف وحدة سكنية خلال الفترة الماضية، كما التزم خلال حملته الانتخابية للعهدة الثانية بإنجاز 450 ألف وحدة إضافية، هذه الأرقام الكبيرة تبرز الحاجة إلى قطاع بناء وأشغال عمومية قوّي ومتطوّر.
كما أن الزيارات الميدانية الأخيرة لرئيس الجمهورية إلى الجنوب الغربي من البلاد، وتفقّده لعدد من مشاريع السكك الحديدية والطرقات، خصوصا الجسور، تؤكد على حجم الاستثمارات التي تضخ في هذا المجال، إلى جانب ذلك، باشرت الجزائر تنفيذ عدد من مشاريع محطات تحلية المياه، ما يعزّز أكثر أهمية تطوير قدراتنا في قطاع البناء والأشغال العمومية.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار الزيادة السكانية- يقول الخبير - والعدد الكبير من الوحدات السكنية التي تم إنجازها أو قيد الإنجاز، فإن ذلك يفرض توفير مرافق حيوية مرافقة، من مستشفيات ومدارس ووسائل نقل ومواصلات، كل هذه الاحتياجات تجعل من الضروري إرساء منظومة فعّالة ومتكاملة في قطاع البناء والأشغال العمومية، قادرة على مواكبة هذا النسق السريع من التنمية العمرانية.
وأكد كواشي أن قطاع البناء في الجزائر يشهد تطورا كبيراً خلال الفترة الماضية، وذلك بفضل الرعاية الخاصة التي أولتها له الدولة، فقد تحوّلت الجزائر من بلد مستورد لمواد البناء الأساسية، مثل الإسمنت والحديد، إلى بلد مصدر لها واليوم تنجز معظم مشاريع السكن باستخدام مواد بناء محلية، ما يجعل هذه السكنات جزائرية بنسبة تقارب 100 بالمائة
وأضاف، في السياق، بأن هذا التطور يعكس التقدم المحقق في هذا القطاع، سواء من حيث نوعية المنتجات أو من حيث الاكتفاء الذاتي، ومع ذلك، تبقى مثل هذه الصالونات والتظاهرات الاقتصادية مهمة للغاية، لما تتيحه من فرص للاحتكاك بشركات أجنبية، سواء من آسيا كالصين، أو من أوروبا مثل إسبانيا، فهذه اللقاءات تفتح آفاقا جديدة لتبادل الخبرات، وقد تفضي إلى شراكات استراتيجية بين المؤسسات الجزائرية ونظيراتها الدولية.
ويرى الخبير كواشي أنه من الضروري في المرحلة المقبلة، بالنظر إلى التطوّر الملحوظ الذي شهدته شركات ومؤسسات البناء والأشغال العمومية في الجزائر، التوجه نحو تصدير خدمات ومنتجات هذه المؤسسات، لاسيما نحو أسواق غرب إفريقيا.
ويفرض هذا التوجه بالضرورة تحسين جودة المنتجات والخدمات، وهو ما يتطلب مشاركة فعالة في مثل هذه الصالونات والمعارض، لما توفره من فرص حقيقية لنقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات والكفاءات، وهي عناصر ما زالت تفتقر إليها العديد من المؤسسات الوطنية في الوقت الراهن.إلى جانب ذلك، يعدّ الترويج للسوق الوطنية أمرا بالغ الأهمية، خصوصا في ظل الإصلاحات الاقتصادية التي شرعت فيها الدولة الجزائرية، مثل قانون الاستثمار الجديد، وقانون العقار، إلى جانب قوانين المنظومة النقدية والمصرفية المحدثة، هذه الإصلاحات تجعل من الجزائر وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية.ويمثل المعرض فرصة مهمة للتعريف بالمنتجات المحلية وتسويقها، بالإضافة إلى فتح أبواب جديدة للأسواق الخارجية، خصوصا في القارة الإفريقية، حيث تعدّ دول غرب إفريقيا من الأسواق الواعدة التي تشهد نموا اقتصاديا سريعا، مما يجعلها وجهة مثالية للمنتجات الوطنية.
وأكد الخبير مراد كواشي، أن هذه المرحلة تمثل فرصة مهمة لقطاع البناء والأشغال العمومية لتحقيق تطور أكبر في الفترة المقبلة، فرغم ما شهده القطاع من تطور في السنوات الماضية، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى تحسينات إضافية، خاصة من حيث الجودة والتحكم في التقنيات الحديثة المرتبطة بالتنمية المستدامة، المدن الذكية، البناء الذكي، والاستدامة البيئية، كما تبرز ضرورة البحث عن أسواق جديدة وفرص استثمارية أوسع داخل الجزائر.
دعم التحديـث والابتكــار
في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص لـ»الشعب»، إن معارض من هذا النوع تعدّ فرصة مهمة لدعم التحديث والابتكار في قطاع البناء، خاصة في ظل التحدّيات الكبيرة التي يواجهها والتي تتطلب التوجه نحو الاعتماد على مواد البناء المحلية في المشاريع على غرار الإسمنت، الحديد، البلاط، الأبواب، النوافذ، إلى تجهيزات المطابخ، المصاعد، التهوية، وحتى الأنظمة الذكية لتسيير البنايات واقتصاد الطاقة والماء، ما يعكس إرادة الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي وتطوير النسيج الاقتصادي الوطني.
كما تم إدماج مفاهيم التخطيط الحضري العصري، المساحات الخضراء، فضاءات الترفيه، والأحياء الذكية، مما يعكس التوجه نحو التنمية الحضرية المستدامة، وسيكون معرض الجزائر الدولي للبناء «باتيماتيك 2025» محطة مهمة لعرض حصيلة هذا التحوّل، واستكشاف مواد وتقنيات بناء جديدة، خصوصا في مجال الابتكار البيئي.
وقد يشكّل المعرض فرصة حقيقية لاستعراض تقنيات البناء الحديثة، بما في ذلك استخدام مواد جديدة صديقة للبيئة تساهم في تقليل الأثر الكربوني وتحقيق الاستدامة، ومن المرجّح أن يجذب المعرض اهتمام المهندسين المعماريين، والمستثمرين، الذين يسعون إلى استكشاف حلول بناء مبتكرة تتماشى مع التوجهات البيئية العالمية.
وأكد الخبير، أن باتيماتيك يساهم أيضا في دعم التعاون على المستويين الإقليمي والدولي، مما يوّفر فرصا أوسع أمام الشركات الجزائرية لتعزيز علاقاتها التجارية مع نظيراتها الأجنبية، ويدعم إقامة شراكات استراتيجية تحقق المنفعة المتبادلة لجميع الأطراف.
وتمثل هذه الطبعة - يقول الخبير- فرصة مهمة لرجال الأعمال والمستثمرين في قطاع البناء، حيث تتيح لهم التعرف على فرص استثمارية واعدة في الجزائر، التي تعدّ من أسرع الأسواق نموا في شمال إفريقيا، ويساهم المعرض في تعزيز ثقة المستثمرين بالسوق الجزائري، الذي يبرز كأحد الخيارات المفضلة للاستثمار في مجال البناء بالمنطقة.
وعليه، فإن معرض «باتيماتيك 2025» يظهر أن قطاع البناء في الجزائر يشهد تطورا كبيرا، ويمثل فرصة لتعزيز الإنتاج المحلي، وجذب الشراكات الأجنبية، ودعم الاستثمارات، كما يساهم في فتح آفاق جديدة نحو التصدير، خاصة إلى إفريقيا، ويؤكد أهمية مواصلة تطوير القطاع لتحقيق التنمية والسيادة الاقتصادية.