الأمـن الغذائـي محـور تعـاون ثنائـي والزراعــة الذكيــة أحـد الحلـول
علاقات ثنائية متبادلة تتأسّس على الاحترام والمصالح المشتركة، توّجتها زيارة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون بمزيد من الروابط الوثيقة، لتؤكّد بداية عهد شراكة متينة بين الجزائر وسلوفينا، تعزّز من الثقل الاقتصادي الجزائري في القارة الأوروبية، وتتوّج إستراتيجية تنويع الشركاء الاقتصاديّين التي تعتمدها الجزائر، بإبرام اتفاقيات شراكة مع الشريك السلوفيني كطرف يتقاسم نفس الرؤى المتعلّقة بالمستقبل الاقتصادي والقضايا الدولية المطروحة على الساحة الدبلوماسية.
أوضح الخبير في الاقتصاديات الحكومية، البروفيسور فارس هباش، أنّ زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى جمهورية سلوفينيا، تأتي في ظل منعرج عالمي، يشهد فيه البلدان تطوّرا ملحوظا خاصة في مجالات الغاز والطاقة، مؤكّدا أنّ الحديث عن آفاق التعاون والشراكة الاقتصادية الجزائرية - السلوفينية، يستدرج التركيز على مجالي الغاز والطاقة، حيث وقّع البلدان من خلال شركتي “سوناطراك” الجزائرية و«جوبلين” السلوفينية، اتفاقية في ماي 2024، تم بموجبها الاتفاق على رفع حجم صادرات الجزائر من الغاز إلى جمهورية سلوفينيا، بمقدار 200 مليون متر مكعب/سنويا، ليصل إلى 500 مليون متر مكعب/سنويا سنة 2026، حيث سيتم نقل الغاز الجزائري عبرخط أنابيب ترونسماد الذي يربط الجزائر بإيطاليا، ثم من إيطاليا إلى سلوفينيا.
ويعد خط أنابيب ترونسماد الذي يبلغ طوله 2475 كلم، وطاقته الإجمالية 30.2 مليار متر مكعب/سنويا، من أهم الأنابيب التي تُسهم في تعزيز المبادلات الطاقوية بين الجزائر وسلوفينيا، حيث ينطلق الأنبوب من حقل حاسي رمل بالجنوب الجزائري إلى تونس، وصولا إلى إيطاليا ثم سلوفينيا. ويتوقّع الخبير أن تعزّز الاتفاقية إمدادات الغاز الجزائري إلى سلوفينيا، باعتبار الجزائر ثاني مورّد للغاز لأوروبا بعد النرويج.
أرضية تعاون خصبة..
ولا يقتصر التعاون الجزائري على مجال الطاقة فقط، بل يمتد إلى مجالات أخرى تتماشى ومقومات وإمكانات البلدين، ومن المجالات التي تشكل فضاءات خصبة للتعاون الثنائي، تطرّق الخبير الاقتصادي إلى مجال الذكاء الاصطناعي الذي تعتبر سلوفينيا من رواده بأوروبا، لامتلاكها بنى تحتية قوية تشكّل بيئة خصبة لتطويره، يمكن للجزائر الاستفادة من الخبرة السلوفينية لتطوير بيئتها التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته في قطاعات الصناعة والفلاحة بالنظر إلى توجّه الجزائر الجديد نحو الزراعة الذكية، ويمكن - في هذا الصدد - إنشاء مراكز بحث مشتركة لتطوير هذا النوع من الزراعات، لتحقيق الأمن الغذائي الذي بات هدفا إستراتيجيا تسعى إليه جميع دول العالم.
قطاع آخر لا يقل أهمية عن القطاع السالف الذكر، بل يرتبط به بشكل وثيق، وهو قطاع التعليم العالي، حيث أشاد فارس هباش بالقاعدة الأكاديمية القوية والمنظومة التعليمية اللّتان تتمتّع بهما الجزائر، خاصة مع اعتماد مجالات جديدة فرضها التحول الاقتصادي العالمي الذي أصبح أكثر توجّها نحو التكنولوجيا والطاقات النظيفة واقتصاد المعرفة والحلول المبتكرة. في هذا الصدد، سيتم تبادل البرامج التعليمية وتقديم المنح الدراسية للطلبة الجزائريّين، كما سيشمل التعاون بين البلدين، تبادل الخيرات في مجال البحث العلمي، من خلال مخابر البحث المشتركة لطرح الحلول العلمية لمختلف الإشكاليات التي تصادف المشاريع الصناعية والزراعية.
نقاط تقاطع واهتمامات دولية مشتركة..
من جهة أخرى، تشكّل البيئة والتغيرات المناخية، اهتماما مشتركا بين الجزائر وسلوفينا، في هذا الإطار، أشار هباش إلى التحديات الكبرى التي تواجهها الجزائر جراء التغيّرات المناخية وما ينجم عنها من آثار، بالمقابل، تشهد سلوفينيا تطوّرا كبيرا في مجال الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي، كما يمكن أن يشكّل التعاون بين البلدين في مجال الاقتصاد التدويري وإدارة النفايات، والحفاظ على الثروة النباتية، أحد محاور التعاون والشراكة ذات القيمة المضافة الكبيرة.
ويبقى الأمن الغذائي نقطة اهتمام مشترك، تتقاطع عندها مساعي وأهداف جميع دول العالم في ظل التوترات الجيو-استراتيجية التي عصفت به، وقال محدثنا في السياق: تمتلك الجزائر مساحات زراعية واسعة ومياه جوفية تشكّل فرص استثمار واعدة، من شأنها استقطاب الشريك السلوفيني لبعث مشاريع في الزراعة الذكية، باستعمال التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي.
وفي شق ذي صلة، تتوفّر الجزائر على فرص كبيرة لتعزيز نشاطها السياحي، بالخصوص السياحة البيئية، حيث يمكن نقل الخبرة السلوفينية في مجال البنى التحتية السياحية وإدارة الوجهات السياحية وتدريب المرشدين السياحيّين والإطارات العاملة بهذا المجال، الذي أكّد رئيس الجمهورية خلال لقائه بالمتعاملين الاقتصاديّين، على مدى حساسيته لما يتطلّبه من معايير دقيقة في إجادة فنّ التعامل مع الآخر، بشكل يروّج أوّلا لحسن الضيافة ولباقة التصرّف، قبل الترويج للوجهة السياحية كرقعة جغرافية لها خصوصياتها الجمالية، بالمقابل يمكن الاستفادة من الثراء الثقافي الذي تتميّز به الجزائر لفتح سبل التبادل الثقافي بين البلدين والتعريف بالثقافة الجزائرية.