يعيش المهاجرون في فرنسا على وقع تصاعد متزايد لخطاب الكراهية والمغالاة في تطبيق سياسات تقييدية في حقهم، لاسيما الجزائريين، في ظل توتر متزايد ومناخ اقتصادي متدهور يزداد فيه تأثير اليمين المتطرّف.
في هذا السياق، شرعت الأجهزة الأمنية والإدارية الفرنسية في اتخاذ جملة من التدابير ذات طابع تمييزي في حق الجزائريين تتجاوز الأطر القانونية.
الأجهزة الفرنسية تحولت إلى أداة خبيثة لتنفيذ أجندات يمينية داخلية وخارجية على حساب حقوق الأفراد وحريّاتهم الأساسية، والتي لخّص عربي لادمي دوافعها وخلفياتها، وتداعيات السياسات التي يقودها وزير الداخلية الفرنسي روتايو. أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تمنراست، الأستاذ الدكتور عربي لادمي محمد، إلى أن الاستراتيجية التي يتّبعها وزير الداخلية الفرنسي ضد المهاجرين والمواطنين الجزائريين المقيمين بفرنسا، تأتي ضمن مخطّط أمني وسياسي يتجاوز التطبيق الحرفي للقانون، ويخرق القانون الدولي في كثير من جوانبه، وأنها استراتيجية تعكس تصوراً جديداً للهجرة، خاصةً ضد الجزائريين.
وقال عربي لادمي لـ «الشعب»، إن دوافع روتايو وزبانيته من وراء هذا التضييق، يمكن حصرها في عدة عناصر، تتمثّل في اعتماد تشديد الخناق ضد المهاجرين كمقاربة أمنية للهجرة غير الشرعية، وهي مقاربة تعتبر امتلاك وثائق قانونية أمرا غير كافٍ لضمان الدخول أو الاستقرار في فرنسا، ما لم يُرفق بشرعية ثقافية أو انخراط هوياتي في قيم الجمهورية الفرنسية.
وقال المتحدّث، إن روتايو ينظر إلى الجالية الجزائرية كتحدٍّ مستمر للاندماج الوطني، بل ويضعها ضمن الفئات محل «الشك المؤسساتي»، وهو ما يبرّر، بحسب خطاب روتايو، تشديد إجراءات التحقّق الاستثنائية مع الجزائريين باستعادة مزعومة للسيادة الوطنية.
كما أن سياسة روتايو التمييزية –يضيف محدّثنا- لا يمكن فصلها عن المزايدة السياسية المستعرّة داخل فرنسا، لتثبيت موقعه في اليمين الجمهوري، من خلال اعتماد مقاربة هجومية للهجرة، في محاولة لكسب رضا الأحزاب اليمينية. في هذا السياق، تحوّلت الهجرة المغاربية، وخاصةً الجزائرية، إلى رمز لأزمة الهوية والانفصال الثقافي، الأمر الذي أنتج تضييقاً حتى على الأشخاص الحاملين لوثائق قانونية. وتابع عربي لادمي قائلاً، إن فرنسا توظّف هذه السياسات التمييزية كورقة ضغط دبلوماسي غير معلن على الجزائر، لإجبارها على التعاون في ملف الهجرة والقبول باستقبال الجزائريين المرحّلين من فرنسا نحو الجزائر، ما يشكّل انتهاكاً للسيادة الجزائرية.
وأعرب لادمي عن أسفه للتصرّفات التي يتعرّض لها الجزائريون في المطارات الفرنسية، حيث يُحتجزون لساعات ويُستجوبون دون توجيه التهم، هذا الشكل من الرقابة الوقائية –يقول المتحدث- يعكس منطق «دولة الاستثناء الإداري»، وهي تصرّفات منافية للأخلاق الديبلوماسية وتشكّل خرقاً واضحاً للقانون الدولي وللعهدين الدوليين وحرية التنقّل المضمونة للأفراد.
وفي معرض حديثه لـ «الشعب»، دعا لادمي إلى اعتماد بعض الآليات الكفيلة بإعادة روتايو واليمين المتطرّف إلى جادة الصواب، أوّلها على المستوى الديبلوماسي، للتعبير عن رفض هذه الممارسات والمطالبة بتقديم تفسيرات رسمية.
كما اعتبر لادمي التحرّك القانوني خطوة مهمة لكبح جماح اليمين المتطرّف، من خلال تعزيز المتابعة القانونية للمواطنين المتضرّرين في فرنسا وتوثيق الحالات التي يتم فيها انتهاك حقوقهم أو تجاوز مبدإ المعاملة بالمثل، إلى جانب تأكيده على أهمية التحرّك على المستوى الإعلامي لفضح هذه الممارسات التمييزية، من خلال نقل شهادات المسافرين حول الانتهاكات، مما سيزيد -بحسب المتحدّث- من الضغط على الحكومة الفرنسية عبر تأليب الرأي العام الفرنسي والدولي وخلق نوع من التعاطف مع الجالية الجزائرية باعتبارها ضحية تمييز مؤسساتي مع سبق الإصرار.