الادعاءات الفرنسية حول إخلال الجزائر بالتزاماتها عارية من الصحة
قرّرت الجزائر الرد على قرار باريس المتعلّق بإلغاء إعفاء حاملي جوازات السفر من الدبلوماسيين من التأشيرة، بمبدإ المعاملة بالمثل، محمّلة إياها المسؤولية الكاملة عن أولى الخروقات «لاتفاق 2013»، وشدّدت على أنّ «الادّعاءات الفرنسية حول إخلال الجزائر بالتزاماتها عارية من الصّحة».
استغربت السّلطات الجزائرية الخطاب الفرنسي الذي أخذ منحى غريبا ومثيرا للريبة، خاصة بعدما أصبحت قرارات السلطة الفرنسية تبث من خلال قنوات غير رسمية، عبر وسائل إعلامية مختارة بعناية من قبل وزارة الداخلية الفرنسية والمديرية العامة للشرطة الوطنية الفرنسية، ويتعلق الأمر بمباشرة إلغاء الاتفاق المبرم بين البلدين في 2013، القاضي بعدم فرض التأشيرة على المسؤولين الدبلوماسيين.
ويرى المتتبّعون أنّ ما أقدمت عليه فرنسا بإلغاء الاتفاق بشكل غير رسمي لحد الآن «تصعيدا جديدا»، يوسّع هوّة الخلاف ويزيد الأزمة تعقيدا، في ظل الجو المسموم الذي يغذيه اليمين المتطرف بقيادة وزير الداخلية روتايو. وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد أوضحت في بيان لها، أنّ «هناك شبه تعليق فعلي للاتفاق من طرف فرنسا دون احترام المسار القانوني الضروري، وستتم دراسة كل تبعات ذلك مع اتخاذ التدابير المناسبة، وفرض التطبيق الصارم لمبدإ المعاملة بالمثل ردا على إخلال الطرف الفرنسي بالتزاماته». وأشار ذات البيان، إلى أنّ الجزائر «لم تتلقّ حتى اليوم أي إخطار رسمي من الجانب الفرنسي عبر القنوات الدبلوماسية المعتمدة بين الدول». كما أفاد بأنّ القائم بالأعمال في السفارة الفرنسية بالجزائر، في ظل غياب السفير ستيفان روماتي، الذي استدعته الرئاسة الفرنسية للتشاور، أبلغ وزارة الخارجية بعدم تلقيه أي تعليمات من وزارة الخارجية الفرنسية بخصوص هذه المسألة، ما يؤشّر إلى أن هناك أمرا «يدبّر بليل».
وأوضحت الحكومة الجزائرية، أنّ هذه القرارات باتت تعلن عبر قنوات غير رسمية، في تجاوز صارخ للأعراف الدبلوماسية وانتهاك واضح لأحكام الاتفاق الجزائري– الفرنسي المبرم عام 2013 بشأن إعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات المهمة من التأشيرة. وبيّنت أنّ الجزائر لم تتلقّ، حتى الآن، أي إشعار رسمي من السلطات الفرنسية عبر القناة الدبلوماسية المعتمدة، والذي يعد في حقيقة الأمر انتهاكا صارخا لأحكام المادة 8 من هذا الاتفاق، ولم تتلقّ الجزائر أي إخطار فرنسي رسمي عبر القناة الوحيدة المعمول بها في العلاقات بين الدول، وهي في هذه الحالة القناة الدبلوماسية.
يشار إلى أنّ القائم بالأعمال في سفارة فرنسا بالجزائر، كان قد استدعي إلى وزارة الشؤون الخارجية أربع مرات بهذا الشأن. وقد أكّد أنه لم يتلق أي تعليمات من وزارة الخارجية الفرنسية، كما أنه لم يتمكن إلى يومنا هذا من الرد على الطلبات الجزائرية الرسمية للتوضيح بشأن هذا الموضوع. وتبعا لذلك، رفضت الحكومة الجزائرية رفضا قاطعا هذه المغالطات، واعتبرت ذلك ادّعاءً باطلا من الطرف الفرنسي القائل بأن الجزائر هي من أخلت أولا بالتزاماتها بموجب اتفاق 2013، وهو مخالف تماما للحقيقة.
وبالرجوع إلى الوراء، نجد أنّ فرض التأشيرة في عام 1986 على مواطني البلدين، كانت فرنسا هي من بادرت باقتراح الإعفاء من هذا الإجراء لفائدة حاملي الجوازات الدبلوماسية، غير أن الجزائر رفضت وقتها هذا المقترح بشكل واضح وصريح.
وفي وقت لاحق، خلال تسعينيات القرن الماضي، جدّدت فرنسا هذا الاقتراح ثلاث مرات وقوبل بالرفض نفسه من الجانب الجزائري، ولم تتم الموافقة عليه إلا عام 2007، وبمبادرة فرنسية دائما، تمّ إبرام اتفاق جديد عام 2013 وسع نطاق الإعفاء ليشمل حاملي جوازات السفر لمهمة ليلغى الاتفاق المحدود السابق.
في السّياق، أوضح أستاذ القانون الدولي الدكتور أبوالفضل بهلولي، أن إلغاء الاتفاقية التي أبرمتها الجزائر مع فرنسا سنة 2013 القاضية بإعفاء حاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر لمهمة من التأشيرة، بالإعلان عن طريق وسائل الإعلام، يعد «غير مقبول ومخالف لكل قواعد القانون الدولي».
ويؤكّد بهلولي أنّه كان لزاما على فرنسا، أن تقدّم بلاغا رسميا حول نية إلغاء هذا الاتفاق، مشيرا إلى أن ما قامت به يؤشر على ما وصلت إليه الدبلوماسية الفرنسية من تخبّط. من هذا المنطلق، يحق للجزائر المعاملة بالمثل وفق ما ينص عليه القانون الدولي، وأن تقوم بإجراءات مماثلة تتمثل في فرض تأشيرات الدخول إلى الجزائر على مسؤولين وكبار الدبلوماسيين الفرنسيين وعائلاتهم، وهو «أمر طبيعي»، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمثل وسيلة ضغط على الجزائر، بل بالعكس، سيجعل فرنسا تعيش عزلة أكبر في إفريقيا التي طلبت دولها سحب القوات العسكرية الفرنسية منها، كما انسحبت العديد من الدول الإفريقية من المنظمة الفرانكفونية.
وأضاف بهلولي -في السياق- أنّ العلاقات الدولية تقوم على مبدإ المعاملة بالمثل، وإذا تمّت عرقلة حركة مرور الجزائريين نحو فرنسا، بغض النظر عن طبيعة جوازات سفرهم، ستقوم الجزائر بالشيء نفسه.