الشبـاك الوحيد أداة تنفيذية قويـة يجب إحاطتها بتدابير داعمـة لضمــان الفعاليـة
نقطـة النهايـة لغمـوض وتماطل الإجــراءات والبيروقراطيـــة
عبّر كثير من المتابعين للشأن الاقتصادي عن ارتياحهم لخبر الاجتماع، الذي عقده رئيس الجمهورية من أجل تفعيل “الشباك الوحيد” رسميا، بعد أن وعد به المتعاملين الاقتصاديّين، خلال الاجتماع الذي جمعه بهم منذ أسابيع.. وتلقت الطبقة الفاعلة اقتصاديا، والمهتمون بالاستثمار بالجزائر، ذلك بارتياح بالغ، فـ«تفعيل الشباك الوحيد” يؤسّس لمرحلة جديدة لا يكون البقاء والاستمرارية فيها، إلّا للجدية والوطنية والإنتاجية، بعد أن ظلت الاستثمارات، لعقود طويلة، حبيسة “المحسوبية” و«الغموض الإجرائي” و«الركود الإداري”، لتتحرّر نهائيا على يد الرّئيس تبون.
ثمّن رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، منير روبعي، الاجتماع الذي ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حول تفعيل الشباك الوحيد للاستثمار، بعد الاجتماع المصغّر الذي جمعه بوزراء المالية والداخلية والسّكن، وكذا المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، عمر ركاش، ورئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، كمال مولى، ليؤكّد مرة أخرى، بكل حزم وإصرار عدم التراجع عن حربه التي أعلنها على الفساد والمحسوبية والبيروقراطية، وأن ملف الاستثمار يشكل أولوية استراتيجية للدولة الجزائرية.
ويرى روبعي أنّ هذه الخطوة ليست فقط إجراء تقنيا أو إداريا، بل هي مؤشّر سياسي واقتصادي قوي على توجّه الجزائر نحو اقتصاد أكثر انفتاحا، ديناميكية، وجاذبية.
متنفــس إجرائــي
وأضاف رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية التي ينضوي تحت لوائها العديد من المؤسّسات الاقتصادية والمتعاملين الاقتصاديّين من أصحاب المشاريع الاستثمارية، من موقع العارف بالإشكاليات والعراقيل التي يعرفها مناخ الاستثمار منذ سنوات طويلة، شكلت البيروقراطية، تعدّد المتدخلين، وغموض الإجراءات، واحدة من أكبر العوائق التي واجهها المستثمر في الجزائر.
وأردف روبعي أنه وفي زمن - صار من الماضي بفضل ما أقدم عليه رئيس الجمهورية من قرارات جريئة - كان من غير المعقول أن يطلب من صاحب مشروع أن يتنقل بين عدة وزارات وهيئات محلية ومركزية، وأن ينتظر شهورا، بل سنوات، للحصول على الموافقة أو التراخيص الضرورية، أما اليوم، يعد تفعيل الشباك الوحيد بمثابة كسر لهذا الجمود الإداري، وإعادة تموضع للمنظومة الاستثمارية وفق مقاربات حديثة تعتمد على التنسيق الأفقي بين الإدارات ورقمنة المسارات والإجراءات، مع التأكيد على تقليص آجال دراسة الملفات التي تم تقليصها إلى أجل لا يتعدى 30 يوما، بما فيها الطعون المقدمة من طرف طالبي رخص الاستثمار، حيث تم تنصيب، لهذا الغرض، لجنة دراسة الطعون على مستوى رئاسة الجمهورية حرصا على إرساء مبدأ الشفافية والمساواة بين المتعاملين الاقتصاديّين وتحقيق مبدأ العدالة التنموية والإنصاف.
إجــراءات مرافقـة لضمــان الفعالية
في السياق، أفاد المتحدث أنّ تفعيل الشباك الوحيد سيسمح بتحديد المسؤوليات ومراكز القرار بدقة، موضّحا أنّ الأخير ليس حلّا سحريا، بل أداة تنفيذية قوية يجب أن تحاط بمجموعة من الشروط والتدابير المصاحبة لضمان فعاليتها، من بينها التكوين المتواصل للموارد البشرية داخل الشباك، لضمان كفاءة واحترافية الموظفين المكلفين باستقبال ومعالجة ملفات الاستثمار، ودعم هذا الإجراء بالرقمنة الشاملة، والمسار الإلكتروني الموحّد، حتى يتمكّن المستثمر من تتبع مسار ملفه عن بعد، بكل شفافية، ما يقلص المساحة أمام أي تجاوزات ممكنة، كما يغلق المجال أمام المحسوبية.
ودعا المتحدث إلى إدماج الجماعات المحلية والهيئات التقنية في المنصة، خاصة في المشاريع التي تتطلب رخصا عمرانية أو بيئية أو تقنية، إلى جانب تحديث القوانين بشكل مستمر ومتناسق، لأنّ أي خلل أو تناقض بين النصوص - حسبه - قد يفرغ الشباك الوحيد من مضمونه.ولم يخف روبعي مدى أهمية ضمان بيئة مالية ومصرفية مرنة لدعم تمويل المشاريع، باعتبار هذه الأخيرة العصب الممول للمشاريع والضامن لاستمراريتها وتجسيدها، إضافة إلى ضمانات قانونية واقعية للاستقرار الجبائي والعقاري.
الشفافيـة ...عقـد أخلاقـي واقتصادي
ويقترح رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، نشر تقارير دورية تكريسا لمبدأ الشفافية، وفتح قنوات للتظلم والتظلّمات الإلكترونية للمستثمرين، في حال تأخّر أو رفض ملفاتهم دون مبرّر قانوني واضح، وإثراء المنصة الوطنية الموحّدة للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار تضم كافة النصوص القانونية والتوجيهات المرتبطة بالاستثمار، لتكون مرجعًا موثوقا. كما دعا إلى إشراك المنظمات والمهنيّين الاقتصاديّين في تقييم فعالية الإجراءات الجديدة عبر مجالس استشارية جهوية.
وأكّد روبعي استعداد منظمته للعمل جنبا إلى جنب مع الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، من خلال تنظيم منتديات وملتقيات توعوية للمستثمرين ومرافقة أصحاب المشاريع في إعداد ملفاتهم، مع العمل على ربط المستثمرين الجزائريّين بنظرائهم الأجانب والمساهمة في التفكير الإستراتيجي حول تحسين الإطار المؤسّساتي للاستثمار.
وخلص المتحدّث إلى القول إنّ “تفعيل الشباك الوحيد خطوة هامة، لكنّ النجاح الفعلي يتطلب إرادة تنفيذية قوية، وثقافة إدارية جديدة، ومواكبة تقنية وبشرية مستمرّة. وعبر عن ارتياحه إلى أنّ القرار سيكون نقطة انطلاق نحو انتقال اقتصادي بالجزائر الجديدة، المنتجة، المتكاملة، والجاذبة للاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية”.