جاهزية قتالية عالية ورسائل سلام.. الخبير ميـزاب لـ”الشّعـب”:

المواقيت الإفريقية مضبوطة على..الاستقرار والسّلم والازدهار

علـي عويـش

 ”قدرة إقليم شمال إفريقيا” رفض صريح لتدويل النزاعات الإفريقية 

المخزن حاول التشويش بترويج أخبار كاذبة.. فجرّ أذيال الهزيمة والخيبة

 في إطار تعزيز الجاهزية القتالية لأفراد الجيش الوطني الشعبي وتقييم وتطوير القدرات القتالية للقوات المسلّحة، أشرف رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السيد السعيد شنقريحة، على تمرين تكتيكي بالذخيرة الحية، حمل اسم “صمود 2025”، عكس مدى العناية الخاصة التي توليها القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي لمسألة التحضير القتالي، وجاهزية القدرات الدفاعية لقواتنا المسلّحة، وتطوير جاهزيتها المستمرّة لمواجهة مختلف التحدّيات الأمنية، لا سيما في ظل التغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة.

وصف الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، التمرينين التكتيكيين “الحصن المنيع 2025” و«صمود 2025”، على أنهما انتقال من اختبار الجاهزية القتالية إلى ترسيخ الرّدع متعدّد المستويات، مؤكّداً على أنّ تنظيم تمرينين بالذخيرة الحية في ظرف زمني قصير، أولهما في الناحية العسكرية الثالثة، والثاني في الناحية العسكرية الثانية، يتجاوز مفهوم النشاط الروتيني في سجل التدريب العسكري، وإن كانا يندرجان كلاهما ضمن اختتام سنة التحضير القتالي 2024-2025، كتقليد سنوي ينفّذ عبر مختلف النواحي العسكرية.
وأشار ميزاب إلى أنّ التمرين التكتيكي “صمود 2025”، يعكس تحوّلاً نوعياً في منطق التحضير القتالي لدى الجيش الوطني الشعبي، يُقاس بمنظور الجيوش ذات العقيدة الاستباقية التي تبني قدراتها انطلاقاً من سيناريوهات فعلية، وليس وفق رزنامة تدريب جامدة.
وتحدّث الخبير الأمني بإسهاب عن دلالات تنظيم تمرينين في أقل من أسبوع في كل من الناحية العسكرية الثانية والثالثة، مشيراً إلى أنها خطوة لها دلالاتها الإقليمية والدولية، مؤكّداً بأنّ الجيش الوطني الشعبي أراد توجيه رسالة حاسمة للفاعلين والمؤسّسات، مفادها أنّ الجاهزية القتالية لأفراد الجيش الوطني الشعبي ليست شعاراً، بل واقعاً متحقّقا، وبأنّ المؤسّسة العسكرية تمتلك من الجاهزية الميدانية ما يجعلها قادرة على إدارة الأزمات والتعامل معها بكل صرامة، وتؤكّد بأنّ أمن التراب الوطني مسؤولية تُمارس ميدانياً، بما يعزّز الثقة المجتمعية والديناميكيات المؤسّساتية في الدولة.
وعلى الصعيد الإقليمي، أشار ميزاب إلى أنّ التمرينين التكتيكيّين جاءا ليؤكّدا على أنّ الجزائر تراقب عن كثب ما يجري في محيطها الحيوي، خاصة في الساحل وحدودها الغربية والجنوبية المتاخمة لمكان إجراء التمرينين، وأنها تملك القدرة على الرّدع والاحتواء والتحكّم في الميدان.
وتابع المتحدّث قائلاً إنّ الأطراف الدولية التي تتابع ما يجري في المنطقة، والتي تسعى إلى التدخّل أحياناً في “الحديقة الخلفية” للجزائر ومحيطها الحيوي، بلغتها هي الأخرى رسائل الجيش الوطني الشعبي، والتي تؤكّد مرة أخرى على أنّ الجزائر قادرة على تأمين محيطها وضمان أمنها دون وصاية ولا وكلاء، مشدّداً على أنّ المنطقة عرضةً للضغوط المركّبة، من جريمة منظّمة، وتهريب عابر للحدود، وغيرهما من الضغوط الاستراتيجية المتكرّرة.
من جهة أخرى، أشار الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، إلى أنّ التمرين العسكري الإفريقي “قدرة إقليم شمال إفريقيا” الذي احتضنته الجزائر مؤخّراً، يُبرز - إلى حدّ كبير - ملامح تحوّل جذري في المقاربات الأمنية للقارة الإفريقية، وتقود هذا التحوّل السيادة الجزائرية في الفعل والقول، كرافعة استراتيجية جديدة تتجاوز الأطر والمفاهيم الكلاسيكية للتعاون العسكري. كما أكّد ميزاب في حديثه لـ«الشّعب”، أنّ هذا التمرين لم يكن مجرّد نشاط عسكري روتيني، بل شكّل محطّةً فارقةً في العمل العسكري المشترك، تعكس تحوّلا نوعياً في العقيدة الدفاعية الإفريقية.
قال ميزاب إنّ الجزائر لم تعد ساحة لإجراء التمارين العسكرية المشتركة فحسب، بل باتت تؤدّي دور الفاعل المركزي في تصميم وتوجيه هذه التمارين، مستندةً في ذلك إلى ثلاثة ثوابت أمنية راسخة، تتمثّل في منع التدخّل الأجنبي، تعبئة الموارد والقدرات، وإعادة تفعيل دور الاتحاد الإفريقي.
وأفاد المتحدّث أنّ التدخل الأجنبي في المنطقة قد حوّل الأزمات الإفريقية إلى ساحات نفوذ وصراع بالوكالة، مؤكّداً على أهمية تعبئة الموارد والقدرات الإفريقية لتحقيق الاستقرار الداخلي النابع من الذات الإفريقية، لا من الوصاية الأمنية، وإعادة تفعيل دور المنظمة القارية كإطار تنسيقي سيادي للرّدود الأمنية الجماعية على حدّ تعبيره.
وأشار ميزاب في معرض حديثه إلى أنّ هذا التمرين يأتي ضمن آلية إفريقية لبناء تدخّل فوري وفعّال في حالات الأزمات، وهي خطوة، يراها المتحدّث، نوعية تعكس رفضاً صريحاً لنهج التدويل الممنهج للنزاعات الإفريقية.
وركّز ميزاب - في السياق نفسه - لتسليط الضوء على الدور المغربي العابث بأمن واستقرار المنطقة، مؤكّداً في هذا الإطار على أنّ الرباط حاولت التشويش على هذا التمرين، وسعت بكل طاقتها إلى إفشاله، من خلال الترويج لأخبار كاذبة عن انسحاب بعض المشاركين أو التقليل من أهمية التمرين، إلّا أنّ الوقائع الميدانية –كما يوضّح ميزاب- أثبتت العكس وأرجعت المغرب بخُفّي حنين، حيث حضرت كل الدول التي أعلنت نيّتها المشاركة، دون استثناء، بما فيها الجمهورية العربية الصّحراوية الديمقراطية التي شاركت بوفدٍ رسمي، في إشارة لالتزامها الكامل بعضويتها في الاتحاد الإفريقي.
وقال في السياق إنّ “التغطية الإعلامية الواسعة التي رافقت التمرين، دحّضت محاولات التشويه، وأظهرت بشكلٍ جلي أنّ الجزائر لا تكتفي باحتضان هذه المبادرات، بل تصنع مفاهيمها، وتؤطّر سياقاتها الاستراتيجية، وتحدّد أهدافها ضمن رؤية شاملة لأمن قاري متكامل”.
وأردف قائلاً إنّ المعطيات التي أفرزها هذا التمرين، تعدُّ قرينة واضحة على بروز محور إفريقي جديد يضم دولاً ترفض التموضع في محاور دولية، وتُدرك – أي هذه الدول- أنّ امتلاك أدوات القرار والسيادة شرطٌ أساسي للاستقرار، مشيراً إلى أنّ هذا المحور الجديد “لا يُقصي أحداً، لكنه يضع شروطاً واضحة للانضمام إليه، أبرزها الالتزام بمبادئ الأمن الجماعي، والامتناع عن تسييس التعاون العسكري أو توظيفه في مشاريع توسعية أو عدائية”.
ولَفَتَ الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، إلى أنّ الجزائر قد رسمت من خلال نجاح هذا التمرين، “معادلةً جديدة” انتقلت من واقع الرّد على الأزمات إلى منعها، ومن العزلة إلى الشراكة، ومن موقف الدفاع عن حدودها إلى هندسة منظومة أمن قاري يرتكز على تدريب تكاملي يراعي خصوصيات كل جيش واحتياجاته، إلى جانب الانسجام العملياتي في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، وهندسة سياسية تضمن استقلالية القرار الإفريقي في السّلم والحرب.
وخلُص المتحدّث إلى أنّ تمرين “قدرة إقليم شمال إفريقيا”، بداية مسار طويل تقوده الجزائر بحكمة واقتدار لبناء أمن إفريقي نابع من داخل القارة، يتجاوز كل معاني الوصاية أو استيراد الأمن من خارج الحدود، حيث يُعدُّ هذا التمرين إعلاناً صريحاً عن انبثاق مقاربة أمنية جديدة، تضع الجزائر في موقع القيادة وتعيد رسم خرائط الأمن الإفريقي بمنطق السيادة، الشراكة، والقدرة الذاتية على الفعل والمبادرة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19785

العدد 19785

الخميس 29 ماي 2025
العدد 19784

العدد 19784

الأربعاء 28 ماي 2025
العدد 19783

العدد 19783

الثلاثاء 27 ماي 2025
العدد 19782

العدد 19782

الإثنين 26 ماي 2025