الجزائـر- الولايـات المتحـدة.. صداقة وشراكة متنامية وآفاق واعدة

تعاون مثمر مبني على الثقة والتوافق والمصالح المشتركة

تشهد العلاقات الجزائرية-الأمريكية في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً على مختلف الأصعدة، مدفوعة بإرادة سياسية قوية لدى الطرفين لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات استراتيجية، أبرزها الدفاع، الأمن، الاقتصاد، الطاقة، والثقافة. هذا الزخم يعكسه تعدد المبادرات والمواقف المتبادلة، واللقاءات الرسمية، ما يؤشر على دخول الشراكة بين البلدين مرحلة جديدة من التكامل والتنسيق.

بمناسبة الذكرى 63 لاستقلال الجزائر، تلقى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، رسالة تهنئة من نظيره الأمريكي، السيد دونالد ترامب، عبّر فيها عن «أحر التهاني باسمه وباسم الشعب الأمريكي»، مذكراً بما يجمع البلدين من «شراكة مستدامة» تجسدت من خلال «الإنجازات المشتركة في دعم الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وتأمين الحدود»، فضلاً عن تعميق التعاون الاقتصادي. وأكد ترامب تطلع واشنطن إلى تعزيز التعاون التجاري والثقافي، بما يفتح آفاق مستقبل أكثر إشراقاً للشعبين الجزائري والأمريكي. بدوره، نوّه كاتب الدولة الأمريكي، ماركو روبيو، في برقية مماثلة، بـ»متانة الشراكة الجزائرية-الأمريكية»، معرباً عن أمله في توسيعها، خاصة في مجالات الفرص الاقتصادية وتبادل الشعوب، قائلاً: «معاً، يمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقاً للولايات المتحدة الأمريكية والجزائر». من جهتها، عبّرت سفيرة الولايات المتحدة بالجزائر، إليثزابيث مور أوبين، عن فخرها بالمساهمة في هذه الشراكة، مشيدة بـ»الإنجازات المشتركة المتنوعة»، وأكدت عبر منشور على منصة «إكس» أن بلادها تتطلع إلى مستقبل مشترك «نصنعه معاً يداً بيد»، في تعبير رمزي عن عمق الصداقة والتقارب بين الشعبين.

ثقة وبراغماتية

يأتي التواصل الحثيث بين قيادة البلدين، ليرسم نجاحهما في توسيع شراكتهما التقليدية لتشمل مجالات جديدة من التعاون في الدفاع والاقتصاد والطاقة. وتتقارب الجزائر مع الولايات المتحدة في أهمية بسط الأمن والاستقرار في منطقة شمال افريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
وتنظر واشنطن بكثير من الاحترام للدور الجزائري الاقليمي والذي وصفه قائد الافريكوم الجنرال مايكل لانغلي بـ «الريادي».
وفي السياق، تُسجّل العلاقات الثنائية بين البلدين ديناميكية متواصلة، حيث استقبل الفريق أول السعيد شنڨريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، في وقت سابق من السنة الجارية، قائد القيادة الأمريكية لإفريقيا «أفريكوم»، الفريق أول مايكل لانغلي، في زيارة رسمية إلى مقر أركان الجيش. اللقاء شكّل مناسبة لاستعراض حالة التعاون العسكري القائم وتبادل الرؤى حول التحديات الأمنية الإقليمية.
وقد أشاد الفريق أول شنقريحة بمستوى التعاون، مؤكداً أنه يقوم على «البراغماتية والحوار البناء»، كما عبّر عن رغبة الجزائر في الارتقاء بهذه الشراكة إلى «أعلى المستويات».
من جهته، ثمّن قائد «أفريكوم» دور الجيش الوطني الشعبي في تعزيز السلم والاستقرار الإقليمي، معرباً عن ارتياحه لوتيرة التعاون المتعددة الأبعاد بين البلدين. اللقاء تُوّج بالتوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون العسكري وتوفير إطار مؤسساتي دائم لتبادل الخبرات.
وتوّجت الزيارة بتوقيع البلدين مذكرة تفاهم هامة تعد الأولى من نوعها للتعاون في المجال العسكري.
كما شهد شهر ماي 2025 محطة أخرى في مسار التعاون الدفاعي، تمثلت في رسو المدمرة الأمريكية USS FOREST SHERMAN (DDG-98 بميناء الجزائر، ضمن زيارة دامت ثلاثة أيام.
تخللت الزيارة نشاطات ثقافية ورياضية، وتمرين بحري من نوع «Passex»، يهدف إلى تعميق التنسيق العملياتي بين البحريتين الجزائرية والأمريكية.

شراكة اقتصادية قيد التوسيع

التقارب الجزائري-الأمريكي لا يقتصر على الجانب الأمني، بل يمتد ليشمل التعاون الاقتصادي والطاقة، حيث استقبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يوم 24 جوان 2025، وفداً عن شركة شيفرون الأمريكية، أحد أكبر الفاعلين العالميين في مجال الطاقة.
وفي تصريح صحفي، أكد نائب رئيس الشركة للتطوير التجاري، جو كوك، أن «اللقاء مشجع ويتماشى مع الاتفاق المبدئي للتفاوض ومباشرة العمل»، مشيراً إلى «تجاوب إيجابي من الطرف الجزائري لمواصلة المباحثات»، وهو ما يعكس رغبة مشتركة في تعزيز التعاون في قطاع المحروقات والطاقة النظيفة.
إنّ مسار العلاقات الجزائرية-الأمريكية يبرهن على نضج سياسي وتكامل استراتيجي متزايد، يعكسه تعدد الزيارات الرسمية، والتنسيق العسكري، والانفتاح الاقتصادي. وتُعد هذه الديناميكية المتسارعة دليلاً على أن الجزائر والولايات المتحدة تتجهان بثبات نحو شراكة شاملة مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، في سياق إقليمي ودولي يتطلب المزيد من التفاهم والتعاون لمواجهة التحديات الراهنة.