أكّد على إدراكها لتنامي قوّة الجيش الجزائري..الخبير أحمد ميزاب لـ “الشعب”:

واشنطن تضعُ الجزائر في قلب مُقاربتها الجديدة

علـي عويـش

 تقــارب وشراكـة ترسمـان معـالم الأمـن في الساحـــل وشمـال افريقيـا

بلادنا فرضت نفسها كفاعل إقليمي مؤثر بفضل رؤاها الأمنية والسياسية والاقتصادية

في ظل التحولات المتسارعة في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، والتداعيات المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، يبرز التقارب الجزائري–الأمريكي كتطور لافت يتجاوز البعد الثنائي، ليعكس رهانات إقليمية ودولية أوسع. وبينما تتراجع فعالية المقاربات الغربية التقليدية، تفرض الجزائر نفسها كفاعل إقليمي مؤثر، بفضل رؤاها الأمنية والسياسية والاقتصادية التي باتت تحظى باهتمام متزايد من واشنطن.

يرى الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب في تصريح لـ«الشعب” أن التقارب الجزائري الأمريكي ليس وليد ظروف عابرة أو مصالح مؤقتة، بل هو ثمرة حسابات استراتيجية دقيقة من كلا الطرفين، مشيراً إلى أن الجزائر قد تحوّلت من دولة محورية في شمال افريقيا إلى شريك لا غنى عنه في معادلة الأمن الإقليمي خصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي “النسبي” من المنطقة.
وقال الدكتور ميزاب أن المكانة التي تحظى بها الجزائر اليوم لا تُفهم فقط من موقعها الجغرافي الذي يتحكّم فعلياً في الممرات الاستراتيجية من الساحل إلى المتوسّط، بل أيضاً من خلال القدرات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تجعل من الجيش الجزائري أحد أقوى الجيوش في القارة الافريقية، وقوة ردع واستباق لها وزنها في أي معادلة أمنية.
وتابع قائلاً إن سلوك الحكومات الجزائرية المتعاقبة لا يقل أهمية عن قوة الجزائر العسكرية، مذكّراً بأن الجزائر لم تتورّط في النزاعات ولم تغلّب طرفاً على آخر، لكنها كانت حاضرةً بقوة في جهود السلام ورسّخت لنفسها مكانة الوسيط الموثوق في أكثر الملفّات تعقيداً، من ليبيا إلى مالي والنيجر، وهذا ما منح الجزائر قدراً كبيراً من المصداقية التي لا تتمتّع بها دولٌ أخرى يُنظر إليها كجزء من المشكلة، لا من الحل، مؤكّدا في هذا السياق “أن واشنطن تدرك هذا جيداً، ولذلك تركّز أنظارها على الجزائر في مقاربتها الجديدة لمنطقة الساحل وشمال افريقيا”.
تحدّث الدكتور ميزاب بإسهاب عن توقيت ودوافع هذا التقارب الأمريكي نحو الجزائر، مع تصاعد التوتّر في منطقة الساحل بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية، كشفت فشل المقاربة الغربية وأدواتها في احتواء الوضع في منطقة الساحل والصحراء. هذا الفشل –يتابع ميزاب قائلاً- فتح الباب أمام واشنطن لإعادة صياغة حضورها ومراجعة استراتجيتها في المنطقة، بعد أن أدركت أن مقاربة التدخّل المباشر لم يعد مجدياً ولا مقبولاً على المستوى الشعبي في دول المنطقة، وهو ما دفع بواشنطن إلى توجيه دفّتها نحو الجزائر باعتبارها شريكا يمتلك الشرعية والمصداقية والفعالية، إلى جانب امتلاكها لشبكة علاقات عابرة للحدود وقادرة على لعب دور مؤثّر دون أن يُنظر إليها كطرف منحاز أو كيان وظيفي، خاصةً في ظل وجود سباق صامت بين قوى كبرى كروسيا، الصين، تركيا وفرنسا التي تحاول كل منها الإمساك بورقة الساحل.
وأشار الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب إلى أن التقارب الجزائري الأمريكي، اليوم، يعكس تحوّلاً نوعياً في النظرة الأمريكية لدور الجزائر الإقليمي، فزيارة مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى في الجانبين السياسي والعسكري، تترجم –حسبه- اعترافاً مباشراً من واشنطن بأن المؤسسة العسكرية لم تعد مجرّد متفرّج، بل شريك موثوق يُعتمد عليه في صياغة استراتيجيات الاستقرار في منطقة الساحل وشمال افريقيا، وقال “هذا الحضور الأمريكي المكثّف يعكس رغبة واضحة في توسيع مجالات التعاون مع الجزائر، من تنسيق أمني واستخباراتي، إلى بحث إمكانات الدعم اللوجيستي والعمل المشترك”، معتبراً هذه الرغبة الأمريكية بمثابة “رسالة سياسية موجّهة إلى الأطراف الاقليمية التي تحاول تهميش الجزائر أو تجاوز دورها باعتبارها جزءا من الحل، وأن دورها يحظى بدعم من قوة كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية”.
وقال الدكتور ميزاب إن الجزائر ترى في هذا التقارب فرصة لتعزيز مكانتها التفاوضية دولياً، دون المساس بجوهر سياستها الخارجية القائمة على استقلالية القرار السيادي، ودون الانخراط في محاور أو تحالفات تهدّد توازنها الاستراتيجي، مؤكّداً بأن هذا التقارب لا يزال محاطاً بجملة من التحدّيات التي تتطلّب الحفاظ على توازن استراتيجي في علاقات الجزائر مع شركائها التقليديين، خصوصاً روسيا والصين، ومنع أي انزلاق نحو تبعية أمنية أو سياسية مع ضرورة تجنّب الانجرار إلى صراعات المحاور الكبرى التي تشهدها المنطقة، والتي قد تضع الجزائر أمام خيارات صعبة لا تخدم مصالحها طويلة الأمد.
ولَفَتَ الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، في الأخير، إلى أن تصريحات مستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولوس التي أكّد فيها أن “أمامنا فرص كبيرة للتعاون في مجالات عديدة”، تأتي كترجمة لهذه المقاربة الجديدة وكمؤشّر واضح على تحوّل في نظرة واشنطن نحو الجزائر، موضحاً في هذا السياق أن التحوّل الأمريكي تُجاه الجزائر ليس مجرّد تبديل تكتيكي، بل هو انعكاس لتحوّل أعمق في فهم واشنطن لديناميكيات المنطقة، ولدور الجزائر كقوة إقليمية صاعدة، مشيراً إلى أن الرسالة الأمريكية واضحة في هذا الشأن، الجزائر لم يعُد يُنظر إليها كحاجز في وجه الإرهاب، بل كفاعل سياسي واقتصادي قادر على الإسهام في إعادة رسم توازنات المنطقة، من شمال افريقيا إلى عمق الساحل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19837

العدد 19837

الخميس 31 جويلية 2025
العدد 19836

العدد 19836

الأربعاء 30 جويلية 2025
العدد 19835

العدد 19835

الثلاثاء 29 جويلية 2025
العدد 19834

العدد 19834

الإثنين 28 جويلية 2025