لا تنازل على الجودة مقابل السعر واحترام معايير التصنيع..
ضرورة مضاعفة الفضاءات التجارية من أجل تغطية الطلب المتزايد
المتعاملون الاقتصاديون مدعوون إلى المساهمة الفعالة في المعارض المتخصصة
مع اقتراب موعد الدخول المدرسي 2025/2026، تشهد مختلف ولايات الوطن حركية استثنائية استعدادًا لإطلاق واحدة من أوسع الحملات التضامنية لدعم القدرة الشرائية للأسر، خصوصًا ذات الدخل المحدود، وستفتح في العشرين من أوت الجاري، 43 سوقًا ومعرضًا تضامنيًا لبيع المستلزمات المدرسية بأسعار تنافسية، في مبادرة تشرف عليها وزارة التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، بالتنسيق مع المديريات الجهوية والمحلية والشركاء الاقتصاديين.
هذه المبادرة التي صارت موعدًا سنويًا ينتظره الأولياء والتلاميذ على حد سواء، تحمل أكثر من مجرد عرض بضائع، فهي رسالة مباشرة لكل من تسوّل له نفسه المساس بمقدرات الجزائريين أو التلاعب بالأسعار، مفادها أن أعين الرقابة حاضرة في كل مكان، وأن التضامن خليقة جزائرية أصيلة لا يمكن تجاوزها؛ لهذا تسعى وزارة التجارة كل عام كي تخفف الأعباء عن الأسر، وتقدم لها كل التسهيلات التي تجعلها في منأى عن أي صعوبة.
تغطية واسعة..
في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أوضح المدير الجهوي للتجارة لناحية الوسط، عيسى ميشاشو، أن هذا العام سيعرف توسعًا غير مسبوق في عدد الأسواق التضامنية، إذ قفز العدد من 21 سوقًا في الموسم الماضي إلى 43 سوقًا هذا العام بالوسط الجزائري، وأضاف: “لقد لمسنا تجاوبًا كبيرًا من المواطنين في السنوات الماضية، وهذا ما دفعنا إلى مضاعفة الفضاءات، حتى نصل إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين، ونقرب هذه الخدمات من التجمعات السكانية الكبرى”.
وتشمل هذه الفضاءات ولايات البليدة (6 أسواق)، تيزي وزو (21)، البويرة (3)، المدية (7)، عين الدفلى (3)، والجلفة (3)، حيث ستقام في عواصم الولايات والمدن الكبرى، لتكون في متناول أكبر شريحة من المواطنين.
290 متعاملاً اقتصاديًا يشاركون..
هذه الأسواق التضامنية ليست مجرد نقاط بيع، بل هي منظومة متكاملة تجمع بين المستوردين، المنتجين المحليين، تجار الجملة والتجزئة، وحتى الحرفيين. أكثر من 290 متعاملاً اقتصاديًا أكدوا مشاركتهم، والتزموا بتقديم منتجات ذات جودة عالية وبأسعار مدروسة، ويقول ميشاشو: “التنسيق مع الشركاء لم يكن حول الأسعار فقط، بل شمل أيضًا ضمان وفرة المواد، واحترام المعايير في التصنيع والتغليف، حتى نضمن أن الأسر لن تضطر للتنازل عن الجودة مقابل السعر”.
وتشمل المعروضات الحقائب، الدفاتر، الأقلام، الكراريس، الأدوات الهندسية والفنية، الملابس والأحذية المدرسية، وحتى بعض الوسائط التعليمية الحديثة، لتلبية احتياجات مختلف المراحل التعليمية.
ضمان الانسيابية وحماية المستهلك
من جهته، شدّد الأمين العام لوزارة التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، الهادي بكير، خلال اجتماع تنسيقي جمع الإطارات المركزية على أهمية هذه المبادرات كجزء من سياسة أوسع لضبط السوق ودعم المستهلك.
وقال بكير: “الأولوية الاستراتيجية هي ضمان انسيابية تدفق المنتجات واسعة الاستهلاك وفق الأسعار المرجعية، مع تكثيف الرقابة الميدانية، خصوصًا في الفترات الليلية، لحماية المستهلك وضمان استقرار السوق”، وأشار أيضًا إلى أن تنظيم هذه المعارض يتم بروح الشراكة بين المتعاملين الاقتصاديين والهيئات العمومية، وأضاف: “نريد أن يشعر المواطن بأن هذه الفضاءات ملك له، وأنها ليست مجرد موسم تجاري، بل فعل تضامني حقيقي”.
الكتب إلى جانب الأدوات
ولاية ميلة تقدم نموذجًا مميزًا في تنظيم هذه الأسواق، إذ تم تخصيص ثلاثة فضاءات لاحتضانها، موزعة على بلديات ميلة (السوق المغطاة بحي 300 مسكن)، فرجيوة (فضاء تابع للتعاونية المحلية للحبوب والبقول الجافة)، وشلغوم العيد (دار الشباب الشهيد العيفة صالح).
وأكد رئيس مصلحة ملاحظة السوق والإعلام الاقتصادي، عبد الحميد فنيط، أن نحو 20 متعاملاً سيشاركون في هذه العملية، مع ميزة إضافية تتمثل في تخصيص أجنحة لبيع الكتب المدرسية لكل الأطوار، بإشراف الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية.
وقال فنيط: “نحن لا نبيع أدوات مدرسية فحسب، بل نوفر للولي فرصة اقتناء كل ما يحتاجه ابنه من مكان واحد، وبأسعار تنافسية، وهو ما يوفر الوقت والجهد ويقلل من التكاليف”.
مشهد ميداني..
في الأيام التي تسبق افتتاح هذه الأسواق، تعيش الفضاءات المخصصة لها حركة غير عادية. الشاحنات تتوافد محملة بالبضائع، فرق التنظيم تضع اللمسات الأخيرة على تجهيز الأجنحة، والعمال يعلقون لافتات تشير إلى التخفيضات والأسعار التفضيلية.
ويمكن للزائر أن يتخيل المشهد يوم الافتتاح: أولياء يحملون قوائم المستلزمات، أطفال يتنقلون بين الأجنحة بعيون لامعة، وتجار يعرضون منتجاتهم بفخر، بينما تتنقل فرق الرقابة للتأكد من احترام الأسعار وجودة المعروضات، ما يمنح هذه الأسواق القدرة الكاملة على تحقيق أكثر من هدف في آن واحد، فهي – على المستوى الاقتصادي - تكسر سلسلة الوسطاء، مما يقلل الأسعار ويضمن وصول المنتج مباشرة من المصنع أو المستورد إلى المستهلك، أما على المستوى الاجتماعي، فهي تعزز التضامن المجتمعي، وتمنح الأسر محدودة الدخل فرصة تجهيز أبنائها دون الوقوع تحت ضغط النفقات المفرطة، إضافة إلى أ، “الفكرة المؤسسة” توفر فضاءات منظمة وآمنة، تقلل من الفوضى التي ترافق مواسم الدخول المدرسي في الأسواق العشوائية.
ويرى متابعون أن نجاح هذه المبادرة عاما بعد آخر، مؤشر على إمكانية تطويرها إلى آلية دائمة، ربما من خلال معارض موسمية للمنتجات واسعة الاستهلاك، وليس فقط الأدوات المدرسية.
التضامن قيمة عملية
تمثل الأسواق التضامنية أكثر من مجرد نشاط تجاري منظم، فهي انعكاس لقيمة التضامن حين تتحول من شعار إلى ممارسة فعلية، تتجسد في دعم حقيقي للمواطن، ويوم 20 أوت، حين تفتح الأبواب، لن يكون الحدث مجرد انطلاق بيع مستلزمات مدرسية، بل موعدًا مع روح مجتمعية تؤكد أن التكافل ليس خيارًا، بل ضرورة لضمان دخول مدرسي متكافئ يضع جميع التلاميذ على خط انطلاق واحد نحو عام دراسي جديد.