أستاذ العلوم السياسيـة.. مهـدي بوكعومة لـ “الشعـب”:

الجزائر المنتصرة.. السيادة الكاملة

سعاد بوعبوش

رفـض تـــام لأي طمس أو انتقائيـة فرنسيـة في الاعـتراف بالماضـي

 تعود ذكرى 20 أوت المجيد هذا العام، لتلقي برمزيتها على واقع العلاقات الجزائرية- الفرنسية في خضم توترات متصاعدة حرّكها عرّابو الكولونيالية المهترئة. وكما كسر الجزائريون أمس، شوكة الاحتلال بهجومات الشمال القسنطيني وقرارات مؤتمر الصومام، لتثبت اقتدار الجزائريين في الدفاع عن حريتهم وكرامتهم، ها هي الجزائر اليوم تتجاوز منطق الهيمنة، وتدعس الوصاية، ولا تترك مجالا إلا “للسيادة الوطنية العليا” والمعاملة “النديّة”.

تؤكد الجزائر أن التاريخ للاستقراء وتعلم الدروس وفهم الحاضر واستشراف المستقبل، غير أن فرنسا أضاعت بوصلتها في قراءتها للأحداث وإدارة العلاقات الراهنة مع الجزائر على ضوئه، فهي لا تزال تنظر لـ«جوهرتها الضائعة” بعين المستعمِر القديم غير المتقبلة لما تقوم به بلادنا من ترويض لهذه العلاقة الثنائية وجعلها ندّية بدل التبعية، فإن كانت الثورة أعطت رسالة قوية بأن الجزائري ليس أهلا للوصاية، فإن ما يعاد ترتيله اليوم في الخطاب الرسمي للجزائر الجديدة، يؤكد أن الشراكة مع فرنسا لن تكون إلا على أساس المصالح المشتركة لا الإملاءات، وإن عجزت عن استيعاب ذلك فمحكوم عليها بتكرار التاريخ نفسه.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية مهدي بوكعومة، فمنذ 2019 ومع مجيء رئيس الجمهورية تم تفعيل دورة الدبلوماسية الاقتصادية وتنوعت العلاقات الثنائية الاقتصادية للجزائر وتعدد شركاؤها الدوليون والإقليميون ما زاد من استقلالية الاقتصاد الجزائري بعدم التركيز على شريك واحد، وهو ما جعل الفرنسيين وخاصة الطبقة السياسية في وضع مأساوي، وتعليق شمّاعة أي فشل أو مشكل اقتصادي فرنسي على الجزائر.
وشدّد بوكعومة في تصريح لـ«الشعب”، أن الجزائر منذ استرجاع سيادتها لم تكن يوما خاضعة أو تحت هيمنة أي دولة، رغم المحاولات المتكررة للضغط عليها واستغلال ملف الذاكرة في ذلك، سيما اليمين المتطرف وعلى رأسه وزير الداخلية برينو روتايو، واللوبيات الإعلامية التي لم تتقبل اختيارات الجزائر بتنويع شركائها على الصعيدين الدولي والإقليمي، بعدما كانت فرنسا تحظى بعلاقة ثنائية فوق العادة والشريك الاقتصادي الأول، وها هي اليوم تعيش تراجعا وتخبطا كبيرين.
محطة 20 أوت وإن ترسخت لدى الجزائريين كذاكرة جماعية، فقد صارت رمزا للمطالبة المستمرة باعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، وهو ما ينعكس اليوم في المفاوضات حول الذاكرة والتاريخ، حيث ترفض الجزائر أي طمس أو انتقائية فرنسية في الاعتراف بالماضي، فكما كان لهذه الهجومات أثر في توحيد الجزائريين، فإن استحضارها اليوم يذكّر بضرورة وحدة الموقف الوطني في التعامل مع فرنسا، حتى تكون العلاقة متكافئة غير متأثرة بضغوط سياسية أو اقتصادية.
وأشار المتحدّث، إلى أن الموقف الجزائري لطالما كان موحدا، لأن الثورة التحريرية كانت لحمة لهذا الوطن وشارك فيه كل الجزائريين، لهذا فعند التطرق لمسألة العلاقات الجزائرية- الفرنسية، هناك دائما وحدة جزائرية ضد كل ماهو متطرف فرنسي، دون إهمال دور الجالية الجزائرية في الخارج، وهو نفس الموقف الموحد الذي يرافق عودة الجزائر كلاعب إقليمي ودولة مركزية على المستوى الدولي، وبعث برسالة للفرنسيين الذين لم يهضموا هذه العودة واستقرار واسترجاع قوة الجزائر على المستوى الدولي.
وأوضح بوكعومة، أن أي استحضار لمحطة من التاريخ الجزائري يقود بالضرورة إلى استذكار الجرائم التي قامت بها فرنسا خلال الثورة التحريرية وهو جزء من التاريخ الذي لا تريد الاعتراف به الدولة الفرنسية إلى يومنا هذا، خاصة الطبقة السياسية المتطرفة ممثلة في اليمين المتطرف. فالكثير من المحطات لا تريد فرنسا الاعتراف بها وترنو لطي ملف الذاكرة، لأن ذلك سيؤثر كثيرا على المصداقية التاريخية للدولة الفرنسية التي كانت دائما تتغنى بأنها دولة حقوق الإنسان وهي نفسها الدولة الاستعمارية التي لم تطبقها ولم تحترم يوما الإنسانية، خاصة خلال الثورة التحريرية. فالاعتراف بمحطاتها الإجرامية يؤثر على رصيدها الأخلاقي على مستوى العلاقات الدولية.
وبحسب المتحدّث، فالجزائر تؤكد على اعتراف فرنسا بكل ما فعلته خلال احتلالها للجزائر من مجازر وإبادات جماعية منذ أن وطئت أرضها، ورفضها للاعترافات الانتقائية للدولة الفرنسية أو الرئيس الفرنسي، فالجزائر عبّرت بصريح العبارة بأنها لا تقبل المساومة وتريد الاعتراف الكامل.
فالجزائر اليوم متصالحة مع ماضيها وتاريخها وتسعى لتحويل العلاقة من ماضٍ دموي إلى مستقبل متوازن، فإذا كانت هجومات 20 أوت 1955 قد أعلنت بداية القطيعة مع المستعمر وأرست منطق المواجهة لإنهاء علاقة استعمارية غير متكافئة، فإن إسقاطها اليوم يكمن في تحويل تلك الذاكرة إلى رافعة لعلاقة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الاقتصادي والثقافي المتكافئ، والدفع بالعلاقات الجزائرية– الفرنسية إلى أن تكون علاقات دولة بدولة، وشريك لشريك، لا سيّد ومستعمَر.
فتاريخ 20 أوت -بحسب بوكعومة- محطة من المحطات التاريخية التي ترجمت الجزائر من خلاله القطيعة واختيارها للعمل المسلح كوسيلة للتحرر من براثن الاستعمار، من خلال رسم ورقة طريق الحصول على الاستقلال ووضع الأسس الجديدة للدولة الجزائرية، فكانت هناك إرادة حقيقية للقطيعة وهو الإسقاط الذي يمكن استحضاره من خلال تفعيل القطيعة مع كل ما يمس بالسيادة والمصالح الوطنية، يضيف المتحدّث.
وعاد أستاذ العلوم السياسية التذكير بأن أي حديث عن العلاقات الجزائرية- الفرنسية اليوم، لن يكون إلا في إطار العلاقات الدولية. مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية فصل في الأمر وأوضح بأنها ستكون مبنية على المصالح المشتركة للطرفين وليس العاطفة، مؤكدا أن الرؤية الجديدة للجزائر في علاقاتها الدولية لن تخدم سوى المصالح الوطنية الجزائرية وليس مصالح فئة معينة أو جهة محددة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19853

العدد 19853

الثلاثاء 19 أوث 2025
العدد 19852

العدد 19852

الإثنين 18 أوث 2025
العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025