الساحة السياسية الفرنسية تشهد انقسامًا بسبب رعونة حكومتها

مكابـرة باريـس تجرّهـا إلى الهـاويـة

سفيان حشيفة

النقض ينهـي وبشكل نهائـي وجـود الاتفـاق نفســه

ردّت الجزائر بكل حزم وندية على قرار باريس أحادي الجانب والاستفزازي القاضي بتعليق اتفاقية الإعفاء من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات المهمة، على خلفية الرسالة التي وجهها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى رئيس وزرائه، وقررت نقض الاتفاق وإنهاء العمل به كليًّا، في خطوة قوية وواضحة تلقفها الإليزيه ولم يستوعبها إلى اليوم.

أثارت استفزازات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة ضد الجزائر، انتقادات شديدة في الأوساط السياسية الداخلية الفرنسية، خاصة من المعارضة اليسارية والوسط المعتدل والتيارات الديمقراطية، وحتى ساسة وإعلاميين ومؤرخين مستقلين طالبوا بالحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع الجزائر واحترام قراراتها وسيادتها.
وقد أبرق ماكرون إلى رئيس حكومته فرانسوا بايرو، باتخاذ إجراءات انتقامية ضد الرعايا الجزائريين، طالت الدبلوماسيين والموظفين القنصليين، الذين أعفتهم الإتفاقية الجزائرية- الفرنسية لسنة 2013 من الحصول على تأشيرة دخول، ردت عليها الجزائر سريعا وبصرامة وفق مبدإ المعاملة بالمثل، من خلال نقض الاتفاق بشكل نهائي ووفق العمل به، وإخضاع الدبلوماسيين والقناصلة الفرنسيين لنفس التدابير التي تطال الجزائريين في الجانب الآخر.
 ورأى متابعون، أن الأزمات الداخلية بفرنسا هي من دفع الرئيس ماكرون إلى محاولة تحريك ورقة العلاقات مع الجزائر، تماهيًا مع ما يفعله وزيره المعتوه روتايو، بهدف مغالطة الرأي العام المحلي وصرف أنظاره عن الأزمات الإجتماعية والإقتصادية المحدقة به، وسعيا منهما لإيجاد إنجاز معنوي يقدمانه للشعب الفرنسي الذي بات يئن تحت وطأة المشكلات المتفاقمة.
وبما أن الملف الجزائري يحمل طابعًا رمزيًا لدى الفرنسيين، صار يُستحضر في كل لحظات الأزمات الداخلية، للتوجيه وإثارة العواطف، واستخدامه كأداة سياسية لتحقيق مآرب النخبة المتطرفة المريضة بأوهامها الكولونيالية.
في هذا الخصوص، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أكلي محند أولحاج في ولاية البويرة، الدكتور زاوي رابح، إن أزمة تعليق اتفاقية 2013، يعكس هشاشة التوازن بين الضغوط الأمنية وخيارات السياسة الخارجية في الرؤية الرئاسية الفرنسية، يبرهنها تصريحات ميلنشون وستورا وروايال وجويرو على أن الحل الأمثل يكمن في العودة إلى دبلوماسية الاحترام والشراكة التي تراعي المصالح الإستراتيجية والتاريخ المشترك بين الجزائر وفرنسا، مع الابتعاد عن منطق التصعيد.
 وأوضح الدكتور زاوي رابح، في تصريحه لـ»الشعب»، أن تعليق هذه الاتفاقية يتجاوز البُعد التقني ليمثل اختبارًا صارخًا لقدرة الدبلوماسية الفرنسية على التعامل مع شريكٍ جيوسياسي في منطقة المغرب الكبير وقارة إفريقيا.
ومن المنظور التحليلي السياسي أضاف رابح، أنه يمكن تقسيم هذه الأزمة إلى ثلاثة محاور رئيسية؛ يتمثل أولها في الانقسام الداخلي بفرنسا حول جدوى سياسة التصعيد المفرط. وثانيًا، دلالات التصريحات الداعمة للجزائر وأبعادها. وثالثًا، انعكاسات هذه الخطوة على مصالح باريس الإستراتيجية في شمال إفريقيا والقارة السمراء عمومًا.
وقد شهدت الساحة السياسية الفرنسية انقسامًا حادًّا بين مؤيّدٍ لخطوة ماكرون كأداة للضغط، ومعارضٍ يعتبرها خطوة خاطئة، حيث وصف زعيم حزب «فرنسا الأبية» جان لوك ميلنشون، تعليق الاتفاقية بأنه تحول عنيف يسعى إلى تضييق العلاقات السياسية تحت ذريعة الأمن، مؤكّدًا أن الجزائر ليست سرابًا بل شريك لا غنى عنه في ملفات مثل الإرهاب والتغير المناخي وأزمة الهجرة، وأن هذا التعامل الإستفزازي لا يؤدي سوى إلى الفتور وتآكل الثقة المتبادلة، وفقا لمحدثنا.
من جانبٍ آخر، انتقدت الوزيرة السابقة ومرشحة الرئاسة عام 2007 سيغولين روايال، قرار تعليق اتفاقية عام 2013، واصفة إياه بـ»الوسيلة الاستعراضية»، التي تحجب عن فرنسا مأساتها الداخلية، على غرار ضعف قدراتها على مواجهة حرائق الغابات وإدارة الكوارث البيئية.
كما دعا النائب عن حزب «الجمهورية إلى الأمام» ديفيد جويرو، بحسب الباحث السياسي، إلى إعادة تفعيل الاتفاقية قبل فوات الأوان؛ لأن تسهيل منح التأشيرة للدبلوماسيين الفرنسيين في الجزائر، يعزز لا محالة من التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب ويحدّ من تدفقات الهجرة البشرية غير الشرعية، وإلغاؤها سيُفقد الجانبين أداة مهمة للتفاهم والتنسيق المشترك.
وبناءً على ذلك، اعتبر الدكتور زاوي رابح، كل هذه التصريحات والمناوشات توجهًا جديدًا برز في أوساط اليسار والتيار الوسطي نحو اعتبار الجزائر شريكًا استراتيجيًا لا ينبغي المساس بعلاقاتها مع فرنسا، مشيرًا أن تلك الأصوات تتبنى رؤية تفيد أن التحوّلات الأخيرة في السياسة الجزائرية جعلتها بالفعل «جزائر جديدة»، أكثر اعتمادًا على سيادتها في قراراتها، ما يستلزم على باريس عدم المكابرة واستخدام مقاربة تقوم على الاحترام المتبادل والابتعاد عن لغة التهديد والابتزاز حتى لا تسقط في الهاوية.
 هذا، وقد استدعت وزارة الشؤون الخارجية، قبل أيام قليلة، القائم بأعمال سفارة الجمهورية الفرنسية بالجزائر، أين تم استقباله من طرف مدير الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، وإشعاره بقرار الجزائر الرسمي بنقض الاتفاق الجزائري- الفرنسي لعام 2013، المتعلق بالإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر لمهمة، إذ يعد نقض هذا الاتفاق، بحسب الوزارة ذاتها، خطوة تتجاوز مجرد التعليق المؤقت الذي بادرت به فرنسا، من حيث أن النقض ينهي وبشكل نهائي وجود الاتفاق نفسه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025
العدد 19854

العدد 19854

الأربعاء 20 أوث 2025
العدد 19853

العدد 19853

الثلاثاء 19 أوث 2025
العدد 19852

العدد 19852

الإثنين 18 أوث 2025