من المقاربة الفرديـة إلى الإستراتيجية الشاملـة

بين التجديد والردع..رؤية جديدة لقطاع النقل

الهادي. ش

متابعــة دقيقــة لحالــة المركبــات وتنظيــم أفضــل لحركــة المــرور

فتح الاجتماع الأخير المخصص لقطاع النقل الباب أمام حزمة إصلاحات واسعة، تتوزع بين تجديد الحظيرة الوطنية، وتحيين القوانين، وتشديد الرقابة. ويجمع خبراء على أن هذه الإجراءات تمثل منعطفا في مسار معالجة ملف السلامة المرورية، الذي ظل لسنوات من أبرز الانشغالات الوطنية.

قرار استيراد 10 آلاف حافلة جديدة يعكس رؤية شاملة لتجديد الأسطول الوطني، وتعويض المركبات القديمة التي تجاوز عمر الكثير منها 30 سنة. وهذه الخطوة لا تقتصر على تحديث وسائل النقل، بل تحمل أيضا بعدا اجتماعيا وأمنيا، خاصة مع اقتراب الدخول المدرسي والاجتماعي، وما يرافقه من ضغط على النقل العمومي.
ويشدّد خبراء على ضرورة مرافقة هذا التجديد بآليات تنظيمية دقيقة، من بينها إنشاء بطاقية وطنية رقمية خاصة بالحظيرة، تسمح بمتابعة دقيقة لحالة المركبات وتنظيم أفضل لحركة النقل، بما يخفف من الازدحام ويقلص من الحوادث اليومية.
لا يقتصر الأمر على زيادة عدد الحافلات، بل يتطلب توفير مركبات بمواصفات عالية الجودة ومعايير دولية حديثة، تعتمد على أنظمة ذكية وتكنولوجيا متطورة في مجالات السلامة والراحة. فالمواطن، كما يقول، فقد الثقة في النقل الجماعي بسبب قدم الحافلات وتهالكها، ولا يمكن استعادة هذه الثقة إلا عبر توفير خدمة آمنة ومريحة.
كما حذر من المخاطر الناجمة عن ندرة قطع الغيار والعجلات الأصلية، مؤكدا أن استيرادها بشكل منتظم يساهم في تقليل مخاطر الحوادث، خاصة وأن استعمال قطع غير مطابقة للمعايير كان سببا مباشرا في الكثير من الكوارث المرورية.

تشريعات تواكب الواقع

جانب آخر من الإصلاح يخص المنظومة القانونية؛ إذ يعتبر خبراء أن تحيين قانون المرور أصبح ضرورة قصوى، مبرزا أن الأكاديمية رفعت مقترحاتها إلى البرلمان بغرفتيه للدفع قدما بعملية التحديث.
ويتعلق أبرز التغييرات المنتظرة بمنظومة رخص السياقة، حيث يقترح اعتماد الرقمنة في التكوين والامتحانات، وتشديد معايير النجاح، مع إدراج الفحوص النفسية والعقلية ضمن شروط الحصول على الرخصة. الهدف من ذلك هو تكوين سائقين أكثر كفاءة، والحد من السلوكيات المتهورة على الطرق.
وهذه الإصلاحات لن تكون فعالة إلا إذا تمت مراقبة مراكز التكوين نفسها، والتأكد من جودة برامجها ومدى تأهيل مدربيها، فضلا عن اعتماد نظام نقاط ذكي يسمح بتتبع سلوك السائقين بعد حصولهم على الرخصة.

المسؤولية لم تعد مقتصرة على السائق

من أبرز ما جاء في هذه الرؤية الجديدة، توسيع المسؤولية القانونية لتشمل أطرافا أخرى غير السائق. فشركات صيانة الطرقات، على سبيل المثال، ستتحمل المسؤولية في حال وقوع حوادث بسبب رداءة الطرق أو غياب الصيانة. والأمر نفسه ينطبق على مدارس تعليم السياقة ومؤسسات المراقبة التقنية التي قد تسمح بمرور مركبات غير صالحة للاستعمال.
ويقترح الخبراء هنا إنشاء منصة وطنية رقمية تربط وزارتي النقل والصناعة بالمصالح الأمنية، بما يتيح متابعة آنية لحالة المركبات، ويعزز الشفافية في معالجة الملفات والحوادث.
من جهة أخرى، تم تكليف مصالح الأمن والدرك الوطني بتشديد الرقابة عبر كامل التراب الوطني، مع اعتماد أساليب حديثة مثل الرادارات الرقمية، والكاميرات الذكية، والعمل برخصة السياقة بالتنقيط.ويشرح خبراء أن هذه الأخيرة تعتمد على إنشاء سجل وطني للمخالفات يكون مرجعا لدى السلطات الأمنية والقضائية ومؤسسات التأمين، بحيث يتم التعامل مع السائقين المتهورين بعقوبات رادعة قد تصل إلى تصنيف بعض الحوادث في خانة “جرائم أمن مروري”.

من المقاربة الفردية إلى الرؤية الشاملة

ويجمع الخبراء على أن هذه التدابير تعكس تحولا جوهريا في التعامل مع حوادث المرور، إذ لم يعد السائق وحده يتحمل المسؤولية، بل أصبح الأمر رؤية شاملة تشمل المركبات، الطرقات، القوانين، والمؤسسات المسؤولة عن النقل. وهي مقاربة يعتبرها المختصون خطوة ضرورية لإنقاذ الأرواح، واستعادة الانضباط، وتحويل النقل من مشكل يومي إلى عنصر استقرار وأمن اجتماعي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19860

العدد 19860

الأربعاء 27 أوث 2025
العدد 19859

العدد 19859

الثلاثاء 26 أوث 2025
العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025
العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025