فصل رئيس الجمهورية، أول أمس، خلال مجلس الوزراء بقرار استعجالي لمعالجة مشاكل النقل الحضري ونقص وسائل النقل، من خلال الشروع في الاستيراد الفوري لـ10 آلاف حافلة جديدة لنقل المسافرين لتعويض القديمة، تحت إشراف وزارة الصناعة، بالإضافة إلى الاستيراد الفوري والمكثف لمختلف أنواع عجلات المركبات.
القرار سيُخرج نهائيا المركبات المتضررة من الخدمة، مع الإدماج التدريجي للحافلات الجديدة في الخطوط ذات الضغط الكبير بالمدن الكبرى والضواحي، وجاء استجابة لمطالب كثيرة للمهنيين وحتى المواطنين، ما من شأنه التخفيف من الحوادث وتعزيز السلامة المرورية بالجزائر، إلى جانب إتباع هذا القرار باستيراد عجلات المركبات، بحيث ستتكفل الدولة بالإطار القانوني واللوجستي، فيما تتولى الشركات العمومية والخاصة التنفيذ والتوزيع، مع متابعة صارمة لتفادي العشوائية.
أوضح الخبير الاقتصادي فريد بن يحي، في تصريح لـ «الشعب»، أن القرار وإن كان استعجاليا، فقد جاء ليلبي احتياجات قطاع مهم ويشكل العمود الفقري لأي دولة، ولو من خلال فتح باب الاستيراد، مؤكدا رسم استراتيجية واضحة لقطاع النقل بالجزائر مع التخطيط الجيد له، حتى يؤدي الأدوار الهامة التي يقوم بها فهو شريان أي اقتصاد.
وبحسب بن يحي، فإن النقل من القطاعات الأساسية ويدخل في إطاره النقل الجوي، البحري والنقل البرّي، سيما السكك الحديدية، موضحا أنه يتعين أن يكون هناك جرد شامل لما تتوفر عليه الجزائر من أسطول النقل لتحديد الاحتياجات الوطنية.
ويرى المتحدّث، أن الطابع الاستعجالي للاستيراد لا يعني الارتجال وهو ما يفسر إشراف وزارة الصناعة عليه والتي ستتولى وضع دفتر شروط خاص باستيراد الحافلات والعجلات وتحديد المواصفات التقنية «السلامة، السعة، المعايير البيئية» وانتقاء المتعاملين الأجانب من مصنّعين أو موزعين موثوقين لموثوق، بحيث يمكن اللجوء للتعامل مع شركات متطورة من الصين، واستيراد حافلات ولو قديمة نوعا ما ولكنها ذات وضعية جديدة وعدم تفويت فرصة التصنيع من خلال الذهاب لأبعد من ذلك بالانطلاق في عملية التركيب بالجزائر ولو بنسبة بسيطة من الإدماج لا تتجاوز 5 أو 10% لحافلات متوسطة وكبيرة السعة، مؤكدا أن الحافلات الصغيرة لم تعد تصلح للجزائر وللمدن الكبرى بالنظر للكثافة السكانية بها.
وبخصوص النقل في المدن الكبرى، أكد الخبير الاقتصادي ضرورة احتكار الدولة للنقل الحضري، لأن القطاع الخاص أصبح يشكل خطرا حقيقيا على حياة المتنقلين، في حين يجب وضع دفتر شروط صارم من أجل اقتناء حافلات متطورة تتوفر على أمور ضرورية، كالمراحيض والتلفزة، وتمكين الناقلين الخواص بين الولايات مع خضوعهم للرقابة مع التزام طراز أو نموذج معين من الحافلات تكون الميكانيكا الخاصة بها وصيانتها وقيادتها سهلة حتى يكون هناك تجانس، لأن ذلك سيسهل تنظيم قطاع الغيار ببلادنا.
واقترح المتحدّث تحديد مسار هذه الحافلات من خلال الطرق الخاصة أو استغلال الشريط الأصفر للحافلات لتنظيم سيرورة النقل الجماعي بالمدن الكبرى ومتابعته بكاميرات، سيما على مستوى الطرق الواسعة والمتوسطة، أما الضيقة فيمكن إيجاد حلول لها في المستقبل، فالمهم هو تسريع الوتيرة باستغلال الإمكانات والبنى التحتية المتوفرة، في انتظار القيام بدراسات طرقية فوقية في الميدان عبر الاعتماد على الدرون واللجوء إلى المختصين للخروج بحلول واقعية.
من جهة أخرى، حثّ بن يحي على الاستفادة من خبرة الجزائر التي كانت تتوفر عليها في ستينيات، سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث كان قطاع النقل منظما رغم قلة الإمكانات، وهذا كان ملموسا حتّى في المورد البشري المسيّر لهذه الحافلات، سواء بالنسبة للسائق أو القابض اللذين كانا يعملان بهندام عمل متناسق ويرمز للشركة التي عمل تحت وصايتها، في حين أن شباب اليوم بعيدون كل البعد على أخلاقيات العمل وحتى النظافة غائبة.
وشدّد الخبير الاقتصادي على ضرورة تحرّك الوزارات المتدخلة في تنظيم عملية النقل بطرق علمية واستثمارات حقيقية، سيما في الكفاءات وتثمين خبرتها، ناهيك عن تكوين العنصر البشري المسيّر للنقل مع أصحاب الحافلات والسائقين والتقنيين للتكيّف مع الرؤية التي تريد الدولة رسمها للنقل بالجزائر، سواء كان حضريا أو على مستوى الولايات.
من جهة أخرى، اقترح المتحدّث الاستفادة من الإمكانات المالية للبلديات، سيما الغنية منها، سواء في شراء الحافلات أو في تسيير خطوطها، على غرار ما هو معمول به في العديد من الولايات.
وبخصوص استيراد كل أنواع العجلات، قال المتحدّث إن الأمر يتعلّق بقطع الغيار، حيث من الضروري العودة للاستيراد في ظل عدم القدرة على إنشاء مصانع كاملة تغطي وتلبي الاحتياجات الوطنية، ناهيك عن الأسعار الخيالية التي عرفتها العجلات، مشيرا إلى أن هذا الاستيراد يجب أن يتم بطرق عقلانية ومدروسة.
وأكد في هذا السياق، ضرورة توفير وزارة التجارة لإحصائيات حقيقة للاحتياجات الوطنية من قطع الغيار، آملا في أن تأتي الحملة الوطنية التي أطلقتها وزارة الصناعة لتجنيد الكفاءات الجزائرية في مجال صناعة السيارات وقطع الغيار بالنتائج المرجوة من أجل تطوير صناعة وطنية متكاملة ومستدامة، من خلال إعادة الاعتبار للخبراء والمهندسين والتقنيين داخل الوطن وخارجه، ما من شأنه المساهمة في بناء منظومة صناعية فعالة.