تحسين جاذبية الاستثمار وعصرنة البنى التحتية.. محاور رئيسية
مواجهة التدخّلات الأجنبية وحماية المسار التنموي الإفريقي
حملت الكلمة الافتتاحية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خلال افتتاح فعاليات معرض التجارة البينية الإفريقية في طبعته الرابعة، دلالات تصبّ في إعادة الاعتبار للقارة الإفريقية وتعزيز مكانتها في منظومة القرار الاستراتيجي الاقتصادي العالمي.
قدّم خطاب الرّئيس، رؤية الجزائر الثابتة تجاه القضايا الإفريقية، والتزامها الراسخ بالعمل من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي جنوب- جنوب، وتحصين القارة من محاولات التهميش والاستغلال، حيث طرح رئيس الجمهورية مقترحات وحلولا تعكس وعياً عميقاً بمتطلّبات المرحلة، وضروريات التموقع القاري والعالمي.
في تحليله لما جاء في نصّ خطاب رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أبرز أستاذ الاقتصاد بجامعة تامنغست، الأستاذ الدكتور عبد الباسط عزاوي، أهم المحاور التي تناولها السيد الرئيس في كلمته، والتي تشكّل خارطة طريق حقيقية ومدروسة نحو بناء إفريقيا قوية، موحّدة وفاعلة بسواعد أبنائها في صياغة مستقبلها ومستقبل العالم.
قال عزاوي في تصريح لـ»الشّعب»، إنّ رئيس الجمهورية تطرّق إلى مجموعة من النقاط بالغة الأهمية، تصبّ في صلب توجّهات وطموحات حكومات وشعوب القارة، منها ضرورة ردّ الاعتبار للقارة الإفريقية وإخراجها من وضعية التهميش التي تعيشها، ومنحها المكانة التي تليق بها من خلال المشاركة المعتبرة في صناعة القرارات الاستراتيجية الاقتصادية على المستوى العالمي، مشيراً إلى أنّ حصّتها فيما يتعلّق بالتصويت على مستوى الهيئات الاقتصادية العالمية، مثل المنظمة العالمية للتجارة وصندوق النقد الدولي «تبقى ضئيلة»، «ولهذا يجب توسيع حصص الدول الإفريقية لكي يكون لوجودها معنىً، ويكون لديها تأثير على هذه القرارات الاستراتيجية الاقتصادية».
تابع قائلاً، إنّ رئيس الجمهورية أوصى في كلمته الافتتاحية بالعمل على تحسين جاذبية القارة الإفريقية للاستثمارات، لأنّ حصّتها الحالية لا تتجاوز 6 بالمائة من تدفّق الاستثمارات العالمية، وهذا الوضع يتطلّب تحسين مناخ الاستثمار الذي يشترط فيه توفّر الأمن والاستقرار السياسي، لذلك، تقوم الجزائر اليوم بدور كبير جدّا، من أجل تحسين مؤشّر الأمن والاستقرار السياسي على مستوى القارة الإفريقية، من خلال استضافتها ومشاركتها في العديد من جلسات الحوار التي تعنى بهذا الموضوع، واعتمادها المقاربة التنموية لمكافحة التهديدات الأمنية، إلى جانب ضرورة التوجّه نحو الانفتاح على الأسواق العالمية وتبسيط الإجراءات المرتبطة بإقامة هذه الاستثمارات على مستوى القارة الإفريقية، وتوسيع شبكة السلاسل البنكية على مستوى الدول الإفريقية، وتحسين البنية التحتية التي تعتبر أحد العناصر الضرورية للاستثمار.
تطرّق أستاذ الاقتصاد بجامعة تامنغست، بإسهاب لمضامين كلمة رئيس الجمهورية، الذي شدّد على الدور المحوري الذي تقوم به الجزائر في النهوض بالقارة الإفريقية، من خلال تكوين وتأطير المورد البشري في شكل إطارات من مختلف الدول الإفريقية، إذ ساهمت الجزائر في تكوين 65 ألف إطار على مستوى المعاهد والجامعات والمدارس الجزائرية منذ الاستقلال، إلى جانب مساهماتها المعتبرة في تجسيد المشاريع الهيكلية الكبرى، كمشروع أنبوب الغاز العابر للصّحراء ومشروع السكة الحديدية، إضافة إلى قيام الجزائر بمسح ديون 14 دولة إفريقية تعاني من تحدّيات سياسية وصعوبات اقتصادية واجتماعية، بقيمة إجمالية بلغت 1,5 مليار دولار.
في معرض حديثه عن جملة التحديات والصعوبات التي تواجه القارة، أشاد الأستاذ عزاوي بجهود الجزائر الرامية إلى تحقيق نهضة تنموية شاملة بإفريقيا، مؤكّداً بأنّ تظاهرة «إياتياف2025» تعدُّ فرصةً حقيقية لتحقيق يقظة وبناء رؤية مشتركة، تُعنى بالرفع من مستوى التلاحم والتكامل الاقتصادي بين دول القارة، من خلال إثراء النقاش حول منطقة التجارة الحرّة القارية، مراجعة القوانين والإجراءات المرتبطة بتجارتي المقايضة والتصدير الحرّ، وكذا معالجة مشكل نقص المعلومات المتعلقة بالأسواق الإفريقية، مشيراً في هذا الإطار إلى أنّ السواد الأعظم من المستثمرين والباحثين على مستوى العديد من الدول الإفريقية، ليست لديهم معلومات كافية حول الأسواق المجاورة.
يرى عزاوي أنّ معالجة هذا الاختلال ممكنة، من خلال تبادل البعثات بين الدول الإفريقية، والتي ستضمّ مستثمرين وغرف التجارة والصناعة وباحثين ومختصّين، بالإضافة إلى المنظمات المتخصّصة في الشؤون التجارية والصناعية.
ولَفَتَ عزاوي إلى أنّ معرض التجارة البينية الإفريقية في طبعته الرابعة، يُعدُّ فرصةً لجلوس المستثمرين من مختلف الدول الإفريقية على طاولات نقاش وتفاوض، تنتهي بإبرام صفقات وشراكات بالغة الأهمية، إلى جانب كونه – أي المعرض - مناسبة علمية لإجراء نقاش عميق وعملي حول البنية التحتية التي تحتاج إلى تحسين، خاصة تلك التي يحتاجها قطاع الصناعة والقوافل التجارية، من طرقات وسكك حديدية وجسور وموانئ.
كما أردف المتحدّث قائلاً، إنّ الصناعات التحويلية ونصف التحويلية تعد من بين أهم النقاط التي يتمّ التركيز عليها في هذه التظاهرة، نظراً للثروات الطبيعية التي تميّز القارة الإفريقية من معادن وفواكه ونفط ونسيج وغيرها من المواد التي تعتبر مدخلات لصناعات استراتيجية، إضافة إلى توفّر القارة الإفريقية على ثروة بشرية تتمثل في اليد العاملة الماهرة القادرة على إقامة صناعات تحويلية ونصف تحويلية بالغة الأهمية.
وسلّط عزاوي، في ختام تصريحه، الضوء على السياق العالمي الذي تنعقد فيه هذه التظاهرة، مشيراً إلى أنّ العالم يشهد تحوّلات جيوستراتيجية، وتغيّر ملحوظ في موازين القوى والتوازنات، مؤكّداً على وجود بعض الأطراف التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار وزيادة حدة الاضطرابات في إفريقيا، بهدف السّطو والسيطرة على ثرواتها وكبح مسارها التنموي، والعمل على تمزيق التحالفات الاستراتيجية بين هذه الدول الإفريقية، وقال إنّ الدول الإفريقية تسعى منذ مدة إلى تحقيق تكامل اقتصادي وتحقيق شراكات وتحالفات، غير أنها وقعت في مصيدة التدخّلات الأجنبية، التي أدّت إلى تمزيق هذه الشراكات، مشيراً في السياق ذاته إلى أنّ رئيس الجمهورية قد دعا إلى ضرورة التحلّي بالوعي واليقظة، من أجل مواجهة هذه الخطط التفكيكية، وإثراء الحوار والنقاش الداخلي، مع العمل على ترسيم العديد من الأفكار والاقتراحات، التي بقيت حبيسة الأدراج في شكل اتفاقيات يتمّ التوقيع عليها من طرف هذه الدول الإفريقية حتى تأخذ طابعاً رسمياً.