خطوة جبّارة نحو الاندماج القاري..الخبير عبد اللطيف بلغرسة لـ “الشعب”:

الشّركة الإفريقية للتّجارة والصّناعة..مولد القوة الاقتصادية الإفريقية

سارة بوسنة

مبادرة استراتيجية تعزّز الاستقلال الاقتصادي وتدفع عجلة التنمية

التّكامل الصّناعي والتّجاري..ركيزة بناء وحدة إفريقية حقيقية

 اعتبر الأكاديمي والخبير الاقتصادي عبد الطيف بلغرسة، أنّ الحدث الأبرز في الطبعة الرابعة للمعرض الإفريقي للتجارة البينية، الذي تحتضنه الجزائر حاليا، هو التأسيس الفعلي للشركة الإفريقية للتجارة والصناعة، بوصفه خطوة استراتيجية غير مسبوقة في مسار الاندماج الاقتصادي للقارة، مؤكّدا أنّ هذه المبادرة لا تقتصر على بعدها التجاري فحسب، بل تمثل ركيزة أساسية لبناء قوة صناعية مشتركة تعزز الاستقلال الاقتصادي، وتفتح الطريق أمام مشروع أوسع للوحدة الإفريقية.

 أوضح بلغرسة في تصريح لـ “الشعب”، أنّ ما كان يعيق القارة لعقود طويلة، لم يكن ندرة الموارد ولا ضعف الأسواق، وإنما غياب رؤية مشتركة للتكامل الصناعي والتبادل التجاري المنظم، فإفريقيا - كما قال - تزخر بكل مقومات الإقلاع الاقتصادي، من ثروات طبيعية ومعدنية إلى طاقات بشرية شابة وأسواق واسعة، لكنها لم تتمكّن من تحويل هذه الإمكانات إلى منظومة متكاملة قادرة على مواجهة تحديات العولمة.
وأشار محدّثنا إلى أنّ الحدود الجغرافية للقارة، بما تحمله من تنوّع ومنافذ بحرية وبرية، تمنحها موقعًا استراتيجيًا يمكن أن يجعلها قطبًا تجاريًا عالميًا إذا ما أُحسن استغلاله، وأضاف أنّ إفريقيا، التي تضم أكثر من 1.3 مليار نسمة، تمثّل سوقًا ضخمة وواعدة لكافة المنتجات الصّناعية والفلاحية والتجارية. ومع ناتج محلي إجمالي يقدّر بـ 3.5 تريليونات دولار، فإنّها مرشحة لتكون فاعلا مؤثرا في الاقتصاد الدولي، شريطة أن تتمكّن من بناء هياكل إنتاج وتوزيع مشتركة.
وهنا شدّد بلغرسة على أنّ التأسيس الرسمي للشركة الإفريقية للتجارة والصناعة يترجم إرادة الدول في المرور من مرحلة التصريحات السياسية إلى مرحلة الإنجاز الملموس، حيث تتحول القارة من مجرد مورد للمواد الخام إلى منتج ومصنّع قادر على المنافسة، وبيّن المتحدث أنّ هذه الشّركة
لا تمثّل مؤسسة اقتصادية فحسب، بل مشروعًا استراتيجيًا يعكس وعي الأفارقة بأن التحديات التي تواجه دول القارة مترابطة ومتداخلة. فهناك دول تعاني من اضطرابات سياسية تحتاج إلى استقرار أمني، وأخرى تواجه نقصًا في الغذاء تبحث عن حلول لضمان أمنها الغذائي، بينما تعاني بلدان أخرى من أزمات مائية أو عجز طاقوي. من هذا المنطلق - يواصل بلغرسة - فإنّ الشّركة يمكن أن تصبح منصة لتبادل الفائض وتغطية العجز، بما يضمن تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي على المستوى القاري.
وأشار بلغرسة إلى أنّ التجارب التاريخية أثبتت أنّ التكامل السياسي لا يمكن أن يتحقق من دون قاعدة اقتصادية مشتركة، فالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وحتى الاتحاد السوفيتي سابقا، لم ينجحوا في بناء وحدات سياسية قوية إلا بعد تأسيس بنيات اقتصادية وتجارية وصناعية صلبة. لذلك، يرى أن إنشاء الشركة الإفريقية للتجارة والصناعة هو اللبنة الأولى التي ستبنى عليها باقي مراحل الوحدة الإفريقية، لأنه يفتح المجال أمام تحرير الأسواق، توحيد الإجراءات الجمركية، تبادل التكنولوجيا، وتشجيع الاستثمار المشترك.
وتابع قائلاً إنّ إفريقيا بما تمتلكه من تنوع في الموارد الأولية والإمكانات الزراعية والمعدنية والطاقوية، قادرة على تأسيس اقتصاد متكامل إذا ما وُضعت آليات دقيقة للتعاون وتوزيع الأدوار بين الدول، فالتجميع الصناعي وتكامل سلاسل الإنتاج من شأنهما أن يرفعا القيمة المضافة للمنتجات الإفريقية، ويحرّرانها من التبعية المطلقة لأسواق خارجية.
واعتبر بلغرسة أنّ الهدف الأبعد لهذه الديناميكية هو الوصول إلى عملة إفريقية موحّدة، طالما نادى بها المفكّرون والزعماء، كوسيلة لضبط قيم المنتجات ومواجهة تقلبات الأسواق العالمية، فضلاً عن تعزيز الاستقلالية النقدية للقارة.

البعــد السّياسـي للشّركـة

 أكّد الخبير الاقتصادي بلغرسة، أنّ هذه الخطوة الاستراتيجية تحمل في طياتها بعدًا سياسيا، إذ أنّ بناء قوة اقتصادية إفريقية سيمنح القارة موقعًا تفاوضيا أقوى في المحافل الدولية، وعلى رأسها مطلبها التاريخي بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. فالقوة الاقتصادية، كما شدد بلغرسة، هي أساس الاعتراف السياسي والقدرة على فرض المواقف. ومن دونها، ستظل إفريقيا مجرد تابع للقوى الكبرى، عاجزة عن الدفاع عن مصالحها أو فرض أجندتها.
ولم يغفل بلغرسة البعد الاجتماعي لهذه المبادرة، حيث اعتبر أنّ تأسيس الشركة سيساهم في خلق فرص عمل واسعة للشباب الإفريقي، والحد من الهجرة غير النظامية، وإرساء بيئة اقتصادية مستقرة تسمح باستثمار الطاقات البشرية داخل القارة بدل نزيفها نحو الخارج.
كما أنّ تحسين القدرة الإنتاجية وتعزيز الاكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة سيقوي مناعة الدول الإفريقية في مواجهة الأزمات العالمية، مثلما حدث خلال جائحة كورونا أو أزمة الطاقة الأخيرة.
وفي تحليله لآفاق هذا المشروع، أوضح أنّ تأسيس الشّركة الإفريقية للتجارة والصناعة ليس نهاية المطاف، بل بداية لمسار طويل يتطلّب إرادة سياسية صلبة، تنسيقا مؤسّساتيًا متواصلاً، وإشراك القطاع الخاص إلى جانب الحكومات.
وأشار إلى أنّ الجزائر، باستضافتها المعرض ودعمها للمبادرة، أرسلت رسالة واضحة بأنّها ما زالت وفيّة لتاريخها في الدفاع عن القضايا الإفريقية، وبأنها تدرك أن مستقبل القارة مرهون ببناء كيان اقتصادي موحّد قادر على مواجهة التحديات.
وختم بلغرسة بالتأكيد على أنّ نجاح هذه الخطوة مرهون بوعي الشعوب الإفريقية بأهمية التضامن والتكامل، لأن الإرادة الشعبية هي التي ستدعم القرارات السياسية وتعطيها عمقًا واستمرارية، وأضاف أن إفريقيا اليوم أمام فرصة تاريخية لا ينبغي أن تضيعها؛ فالعالم يتغير بسرعة، وموازين القوى يعاد تشكيلها، ومن لا يمتلك قاعدة اقتصادية متينة لن يكون له مكان في النظام الدولي الجديد. ومن هنا، فإن الشركة الإفريقية للتجارة والصناعة تمثّل أكثر من مجرد مؤسسة اقتصادية، إنها مشروع أمل لبناء إفريقيا جديدة، قويّة، مستقلة وموحّدة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025
19868

19868

السبت 06 سبتمبر 2025
العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025
العدد 19866

العدد 19866

الأربعاء 03 سبتمبر 2025