نجاح جزائري باهر في تنظيم معرض التجارة البينية الإفريقية

خطـوة إستراتيجيـــة نحـو التكامـل القـــارّي

محمد لعرابي

 استغلال ثروات إفريقيا لا ينبغي أن يظلّ مرهوناً بتصدير المواد الأولية

 جسّدت الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، صورة حيّة عن الحلم القارّّي في بناء اقتصاد موحّد، حيث تحولت الجزائر إلى قبلة للفاعلين الاقتصاديّين والسياسيّين الأفارقة، ووفرت أرضية خصبة لتعزيز التكامل القارّي. وقد أفرزت هذه التظاهرة اتفاقيات تجارية واستثمارية غير مسبوقة، أسهمت في توجيه مسار التعاون الإفريقي نحو أفق أكثر اتساعاً ووضوحاً.

 لم يكن المعرض مجرّد فضاء للتبادل التجاري، بل منصة متكاملة لإرساء قواعد التعاون الاستراتيجي بين دول القارة، إذ تمّ التوقيع على عشرات العقود التي تدعم اتفاقية التجارة الحرّة القارية الإفريقية، وتضع أسس سوق موحّدة. كما ركّزت التفاهمات على تطوير البنى التحتية والنقل البرّي والبحري والجوي، مع فتح خطوط مباشرة جديدة نحو عدة دول إفريقية انطلاقاً من الجزائر، في خطوة من شأنها تسهيل حركة التجارة وتوسيع تدفّقات الاستثمارات.
رؤية للتكامل والتنمية المستدامة
 نجاح المعرض لم يتوقف عند حجم الاتفاقيات، التي بلغت قيمتها 48.3 مليار دولار متجاوزة التوقّعات السابقة، بل تعداه إلى توسيع دائرة التعاون نحو مجالات أكثر استراتيجية، مثل الابتكار وريادة الأعمال والتعليم والتدريب. وقد خُصّصت فضاءات لرواد الأعمال الأفارقة والشركات الناشئة والمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة، مع فتح نقاشات حول آليات الدعم المالي والتقني. وهو ما يعكس وعياً جماعياً بضرورة الاستثمار في الكفاءات والموارد البشرية باعتبارها قاطرة التنمية القارية.
لم تغب الجامعة عن هذا المسار، إذ أثبتت من خلال مشاركتها الفاعلة أنها فضاء أساسي لإعداد النخب القادرة على قيادة التحولات الاقتصادية والاجتماعية. ومن ثَمَّ جاء البعد التنموي المستدام حاضراً بقوة، سواء عبر المشاريع الاستثمارية أو في فرص تعزيز الشراكات المستقبلية بين الدول الإفريقية.
تلازم البعد السياسي والاقتصادي
 التكامل الاقتصادي لا ينفصل عن الوحدة السياسية، وهو ما عكسته التصريحات والمواقف التي صاحبت المعرض، حيث شدّدت القيادات الإفريقية على ضرورة توحيد الرؤى والمواقف خدمة لقضايا القارّة. وقد برزت قناعة واضحة بأنّ استغلال ثروات إفريقيا لا ينبغي أن يظل مرهوناً بتصدير المواد الأولية، بل بتحويلها إلى منتجات مصنّعة تخلق الثروة وتؤسّس لاستقلال اقتصادي حقيقي.
إنّ الدعوة إلى ربط شمال القارّة بجنوبها، في ظل مصير مشترك ومستقبل واحد، تعكس وعياً بضرورة تجاوز مشاكل الماضي ومخلفاتها. كما أنّ الإرادة السياسية التي أظهرتها العديد من الدول المشاركة، شكّلت ركيزة قوية لترجمة حلم منطقة التجارة الحرّة الإفريقية إلى واقع ملموس.
إشادة واسعة واعتراف بالنجاح
 وجد نجاح الجزائر في تنظيم هذا الحدث الاقتصادي القارّي، صدى واسعاً لدى المتابعين داخل القارّة وخارجها. فقد اعتُبر المعرض محطة محورية لتجسيد اتفاقية منطقة التبادل الحرّ الإفريقية على أرض الواقع، ومنصة استراتيجية لتسهيل الصفقات التجارية وإقامة الشراكات بين الحكومات والمتعاملين الاقتصاديّين. كما فُتح المجال لنقاشات معمّقة حول الوحدة الإفريقية والقدرة على بناء قارّة قوية وفاعلة في محيطها الدولي.
إشادة المتابعين لم تقتصر على حجم الاتفاقيات أو مستوى الحضور، بل طالت أيضاً التنظيم المحكم والاحترافية العالية التي ظهرت بها الجزائر، ما أكّد قدرتها على احتضان فعاليات كبرى ذات بعد قارّي ودولي. هذا النجاح لم يكن شكلياً أو بروتوكولياً، بل جاء ليضع القارّة أمام منعطف استراتيجي جديد، ويمنح الجزائر موقعاً محورياً كقوة اقتصادية إقليمية وجسر عبور للتعاون الإفريقي.
أفـــــق مفتــــوح أمــــــام التكامــــــــل
 لقد أظهرت الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، أنّ القارّة تمتلك الإرادة والقدرة معاً لتجسيد طموحاتها في التنمية المستدامة، وأنّ الجزائر لعبت دوراً مركزياً في إعادة وضع الحلم الإفريقي على السكة الصحيحة. ومع ما تحقّق من إنجازات، يتأكد أنّ وحدة المواقف السياسية وتكامل الرؤى الاقتصادية يمثلان الضمانة الأساسية لبناء إفريقيا قوية، متضامنة ومكتفية بذاتها، قادرة على مواجهة التحديات وفرض وجودها في النظام العالمي الجديد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025
العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025