صفقات عملاقـة بمعرض التجـارة البينيـة الإفريقية.. تيغرسـي لـ”الشّعـب”:

“إياتيـاف 2025 “.. خارطـة اقتصاديـة جديـدة لإفريقيـا

فايزة بلعريبي

الجزائــر قطـب إقليمـي في حــوض البحـر المتوسّـط والعمـق الإفريقـــي

 يقدّم الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي لـ«الشّعب” قراءة في التقرير النهائي لمعرض التجارة البينية، ومن خلاله بعض الاقتراحات من أجل نتائج أكثر فعالية لمخرجات المعرض، أهمها تشكيل لجنة وطنية لمتابعة تجسيد اتفاقيات وعقود “إياتياف 2025”. التي تمثل نقطة تحول في الاستراتيجية الاقتصادية القارية.

 اختتمت، الأربعاء الفارط، فعاليات الطبعة الرابعة للتجارة البينية الإفريقية، المنظمة من طرف البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد “أفريكسيم بنك”، بالتعاون مع الأمانة العامة للاتحاد الإفريقي، والتي استضافتها الجزائر، تحولت خلاله إلى ورشة اقتصادية كبرى من حيث نسبة المشاركة واللقاءات الثنائية والمتعدّدة الأطراف، بين مختلف الفاعلين الاقتصاديّين من هيئات رسمية ومنظمات مهنية ورجال أعمال، إلى جانب محاضرات وندوات وورشات عمل، تقاطعت جداول أعمالها ومحاورها عند المؤهّلات والمقدرات الطبيعية الهائلة للقارّة الإفريقية، وكيفية استغلالها من طرف الأفارقة ولا أحد غيرها ولصالح دولها وشعوبها.

أرقــام تحـدّد الآفـاق

 حسب الحصيلة المقدمة من طرف الهيئة المنظمة “أفريكسيم بنك”، تمّ تسجيل 112476 مشارك فعلي، مقابل 2000 زائر فعلي و15 ألف افتراضي، و958 متعامل اقتصادي مقابل 750 متعامل متوقّع. أما فيما يخصّ الصفقات البينية فكان متوقّعا أن تتمّ بين 75 دولة، إلا أنه تمّ التعاقد بين 122 دولة. بالمقابل تخلّلت المعرض البيني الإفريقي عدة فعاليات كان من المتوقّع أن يصل عددها إلى 4 فعاليات، هي يوم الجزائر، يوم الصناعة الإفريقية، يوم دانجوت، يوم إفريقيا العالمي، إلّا أنّ عددها بلغ 9 فعاليات.
من جهة أخرى جدير بالذكر، أنه وبالرغم من أنّ المعرض خصّص للتجارة البينية الإفريقية، إلا أنه سجّل مشاركة 21 دولة غير إفريقية، وهو تقريبا نصف عدد الدول الإفريقية المشاركة التي بلغ عددها 49 دولة ممثلة بـ 20 رئيس دولة وحكومة و6 ممثلي رؤساء دول وو41 وزيرا ونائب وزير، وعرض منتجاتها من طرف 1923 عارضا فعليا و255 افتراضيا.
في قراءة للأرقام التي أسفر عنها التقرير النهائي لمعرض التجارة البينية الإفريقية، المقدم من طرف المنظمين، أوضح الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، أنّ الأثر الاقتصادي للاتفاقيات المبرمة -مثمنا قيمتها بالمناسبة- يتوزّع على مدى سنوات من تاريخ إمضائها، فمعظمها -إن لم تكن أغلبها- التزامات استثمارية طويلة الأمد من مشاريع بنية تحتية، شراكات صناعية، تمويلات زراعية وليست في مجملها تحويلات نقدية فورية.
كما أشار تيغرسي إلى نقاط اختلاف مع الطبعات السابقة، حيث أنّ أهم ما ميّزها هو توسّع رقعة القطاعات المشاركة، أين تمّ التركيز خلال هذه الطبعة على المؤسّسات الناشئة ودورها في حياكة النسيج الاقتصادي الإفريقي، والتحول الرّقمي وضرورة مواكبة تقنيات وتطبيقات التكنولوجيا الحديثة، إضافة لقطاع الثقافة أو “القوة الناعمة” كما سميت.
ففي حين، كانت الطبعات الأولى تركّز بقوة على مشاريع بنية تحتية، وتجارة بين مصدِّرين ومستوردين، أصبحت الطبعات الأحدث، تحديدا طبعتي 2023-2025 تمزج بين صفقات استثمارية كبرى، وعقود التصدير والاستيراد، واتفاقيات التمويل والائتمان، ما نتج عنه تنوّع أعمق في بنية الصفقات، وأرجع تيغرسي هذا التطور إلى الدور المحوري الذي لعبه البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، كوسيط بين مختلف الفاعلين الاقتصاديّين على مستوى الدول الإفريقية.

أقــلّ استـيرادا وأكـثر تصنيعـا

 من جهة أخرى، أكّد تيغرسي على التركيز الكبير من طرف المنظمين والمشاركين على حدّ سواء، على القيمة المضافة التي ستقدمها الاتفاقيات المبرمة، من خلال مزيج أكثر من شراكات تصنيع محلي، سلاسل إمداد إقليمية، وتمويل مشاريع زراعية، وهو ما يجعل الدول الإفريقية أقل اعتمادا على صادرات خامة فقط، وأكثر تصنيعا لحاجيات ومتطلّبات سوقها المحلية.
 في سياق قراءته لتفاصيل ومخرجات معرض التجارة البينية الإفريقية، تطرّق تيغرسي إلى الطابع الدولي الإقليمي المتصاعد الذي عرفته هذه الطبعة، من خلال مشاركة أكبر لشركات متعدّدة الجنسيات وإقليمية، ممّن أبدت رغبتها في إنشاء قواعد إنتاج وإعادة تصدير داخل إفريقيا، التي تحولت إلى قطب الاقتصادي حيوي.
 وفي إجابته على سؤال حول القطاعات الأكثر استقطابًا للشراكات البينية في 2025، أوضح تيغرسي، مستندا إلى المصادر الرّسمية والتقارير الصّحفية المتتبعة للحدث، أنّ قطاعات عديدة ستكون في الواجهة الاقتصادية الإقليمية، خلال السنوات الخمس القادمة، على رأسها الزراعة والأغذية بجميع سلاسل القيم المشكّلة لها من توريد، تجهيز، تصنيع غذائي، إضافة إلى الطاقة والبنى التحتية.
 ولأنه لا يمكن الحديث عن الاستثمارات دون التطرّق إلى شريانها، وهو التمويلات والخدمات البنكية والتأمينية، التي عرفت منحنى تصاعدي فعّال في السنوات الأخيرة، من حيث الحلول التمويلية التي باتت محور تنافس بين المؤسّسات والهئيات المالية المحلية والدولية.
كما ذكر تيغرسي قطاع الصحة والتجهيزات الطبية، الذي شهد هو الآخر تنافسا كبيرا من حيث الاتفاقيات المبرمة، لما تحظى به القطاعات من أهمية من طرف القيادات الدول الإفريقية واستراتيجياتها المتعلّقة بالمنظومة الصحية. بالإضافة كذلك إلى النقل بشعبه البرية والبحرية والجوية واللوجستيك.

تدفّقـــات استثماريــــة...

 عن انعكاسات ونتائج الاتفاقيات المبرمة على الاقتصاد الوطني بصفة خاصة، ومستقبل التجارة البينية القارية، أجاب تيغرسي أنها تنقسم إلى شقّين، إيجابية فورية ومتوسّطة الأمد، فارتفاع نسبة الاستثمار الأجنبي والتمويلات من خلال اتفاقيات ترفع من تدفّقات الاستثمار المباشر والائتمانات التجارية، ما يقوّي احتياطات العملة الصعبة ويدعم المشاريع المحلية.
بالمقابل ستمكّن الاتفاقيات المبرمة من بناء قدرات صناعية محلية، مدعومة بصفقات تصنيع وتحويل، خاصة ما تعلّق بنقل التكنولوجيا وإقامة وحدات تجميع وإنتاج محلية، ما يعزّز من حظوظ خلق فرص الشغل.
استدل تيغرسي بحجم الاتفاقيات المبرمة خلال الطبعة الرابعة للمعرض، وهي ما يعادل 11.4 مليار دولار موجّهة أغلبها للبنى التحتية والصناعات التحويلية والصيدلانية، ليوضّح أثرها في تعزيز مكانة الجزائر كقطب إقليمي، ما يجعلها مركز عبور إقليمي للتصدير واللوجستيك في حوض البحر المتوسّط وشمال إفريقيا.

تسريــــع الاندمــاج الإقليمـي

 أما انعكاسات الاتفاقيات المبرمة على مستقبل التجارة البينية القارية، فيكمن -بحسب الخبير الاقتصادي- في تسريع الاندماج الإقليمي من خلال ارتفاع قيمة الصفقات ومواءمتها مع آليات اتفاقية منطقة التجارة الحرّة الإفريقية، ما يعزّز تجاريا ربط الأسواق ويخفّض من عراقيل التجارة البينية. إضافة إلى بناء سلاسل قيمة إقليمية في حال نجاح اتفاقيات التصنيع الزراعي والصناعي، فسنشهد انتقالا من تجارة “الخامات” إلى سلع ذات قيمة مضافة داخل القارّة.
كما ركّز تيغرسي على الجانب التنافسي، مشيرا إلى أنّ دولا مثل الجزائر ونيجيريا ومصر، يمكن أن تتنافس على أن تكون مراكز صناعية ولوجستية إقليمية، وهذه المنافسة قد تفيد القارّة إن أديرت بتنسيق مدروس بتوفير شبكات نقل، وسياسات تمويلية ناجعة، تسمح باستثمار فوري في اللوجستيك والجمركة الرّقمية، وذلك بتبسيط الإجراءات وتحديث الموانئ لتقليل وقت التكلفة، وتخصيص حلول تمويلية مصمّمة للشركات الصغيرة والمتوسّطة. وشدّد تيغرسي على ضرورة ربط اتفاقيات المعرض بآليات تمويل، تستطيع المؤسّسات المحلية الصغيرة دخول سلاسل القيمة من خلالها.

تنفيــذ عقـود “إياتيــــاف 2025”

 خلص تيغرسي إلى القول “إنّ الطبعة الرابعة نجحت في تسجيل رقم قياسي جديد في الالتزامات، وجعلت الجزائر مستفيدا رئيسيا، لكن القيمة الحقيقية تقاس بمدى قدرتنا على تحويل هذه الالتزامات إلى مشاريع منجزة تنتج وظائف ومحتوى محلي. وهذا لن يكون إلا بتركيز الجهود على التنفيذ والتصنيع المحلي واللوجستيك، فالمعرض ليس فقط حدثا إعلاميا، بل نقطة تحول فعلية في تشكّل التجارة البينية القارية وتحويل الجزائر إلى منصة إقليمية”. وقال إنّ النتائج الحقيقية للاتفاقيات لن تؤتي ثمارها إلا من خلال متابعة دائمة وشفافة، من خلال لجنة وطنية لمتابعة عقود “إياتياف 2025”، ونشر تقرير دوري لمدى تقدم تنفيذها، لتعزيز ثقة المستثمرين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025
العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025