تكريس التنمية والانفتاح على السوق العالمي.. الخبير هادف لـ “الشعب”:

الاقتصاد الجزائري المنتصر.. إلى السرعة القصوى

حياة كبياش

تعزيــز التكامــل بـــين السياسـات الصناعيــة والماليــة والتجاريــة

أكد المستشار الدولي في التنمية الاقتصادية، عبد الرحمان هادف، أن التوجهات الكبرى للحكومة برئاسة الوزير الأول سيفي غريب، ترتكز على قاعدة صناعية متطورة ومرنة، ومنظومة مالية حديثة قادرة على مرافقة الاستثمار، إلى جانب الانفتاح على الشراكات والتحالفات الدولية وفق مصالح إستراتيجية، بما يمكّن الجزائر من تبوإ مكانتها كدولة صاعدة والتحول إلى قطب اقتصادي صناعي إقليمي، يوازن بين طموح التنمية الداخلية والانفتاح على الاقتصاد العالمي.

يضع التغيير الحكومي الأخير أمام الوزير الأول الجديد وفريقه تحديات كبرى لترجمة هذه الرؤية إلى سياسات عملية وقرارات تنفيذية، حتى تنتقل الجزائر من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع وقادر على المنافسة، بحسب ما صرح الخبير الدولي عبد الرحمان هادف لـ “الشعب”. ويرى أن الرهان الحقيقي، يكمن في صياغة خارطة طريق اقتصادية تعزز التكامل بين السياسات الصناعية، المالية والتجارية، بالاستناد إلى استشراف التغيرات العالمية في التكنولوجيا والطاقة، بما يستدعي تبني نموذج نمو يقوم على القيمة المضافة، التنافسية، التصدير والاندماج الذكي في سلاسل القيمة العالمية، مع الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والطبيعية، ودمج مبادئ الاستدامة في كل المشاريع التنموية.
في هذا الصدد، أوضح هادف أن تعيين سيفي غريب وزيراً أول من طرف رئيس الجمهورية، جاء في سياق اقتصادي يتطلب جرأة في اتخاذ القرارات، وفي إطار البحث عن نموذج تنموي جديد يرتكز على مبادئ الاستدامة، بما يوازن بين النمو الاقتصادي، العدالة الاجتماعية وحماية البيئة، مع وضع أسس قوية لتحول اقتصادي شامل.
ويرى الخبير، أن القطاع الصناعي يظل الرافعة الأساسية للتنويع الاقتصادي وتحسين أداء الاقتصاد الوطني، حيث تشير المعطيات الرسمية إلى أن مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج الداخلي الخام لا تتجاوز حالياً 5٪ (2023)، بعدما تراوحت بين 15 و18٪ خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مع ذروة قاربت 18,6٪ سنة 1982. ويعكس هذا التراجع الحاجة الملحة إلى سياسة صناعية واضحة واستراتيجية طموحة وذكية تعيد للصناعة مكانتها كقاطرة للنمو المستدام، مشيراً إلى أن الفروع ذات الأولوية عديدة، أبرزها الصناعات الصيدلانية، الغذائية، الرقمية، الطاقات المتجددة والكهربائية، مؤكداً أن هذه القطاعات قادرة على رفع التنافسية الوطنية وتحقيق أداء اقتصادي أفضل، شرط توافر حكامة رشيدة تخلق ديناميكية مستدامة تستثمر في الإمكانات البشرية والطبيعية والمالية وتواجه في الوقت نفسه المنافسة الدولية المتزايدة.
وأشار هادف، إلى أن العالم دخل فعلياً مرحلة الثورة الصناعية الخامسة، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي، الاتصال عالي التدفق (الجيل الخامس والسادس تقريباً)، والابتكار المفتوح محددات أساسية للتطور الصناعي، ما يفرض إعطاء الأولوية للاستثمار في هذه الفروع، مع اعتماد معايير مثل مستوى استعمال التكنولوجيات الحديثة، الابتكار والقدرة على التصدير كعناصر حاسمة لترقية الفاعلين الاقتصاديين وتشجيع الأكثر كفاءة.
وفيما يتعلق بالعقار الصناعي، يرى الخبير أن الضرورة تقتضي انتهاج مقاربة جديدة قوامها استحداث “مناطق اقتصادية خاصة” تكون منصات فعلية لجذب الاستثمارات وتطوير الصناعات ذات القيمة المضافة.
هذه المناطق أثبتت نجاحها في تجارب عالمية، مثل الصين (Shenzhen نموذجاً للتحول التكنولوجي والصناعي)، كوريا الجنوبية (Ulsan قطباً عالمياً للبتروكيمياء والسيارات)، وبولندا (Katowice التي ساهمت في اندماجها في سلاسل القيمة الأوروبية). وهي أدوات فعّالة لرفع التنافسية، نقل التكنولوجيا وتشجيع الصادرات.
وفي السياق الجزائري، يمكن لهذه المقاربة أن تدعم ليس فقط القطاع الصناعي، بل أيضاً ترقية التجارة الخارجية، من خلال جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتسهيل اندماج المؤسسات الجزائرية في الأسواق العالمية، وفق ما أكده هادف.
أما سلاسل القيمة، فتمثل اليوم ـ بحسبه ـ مفهوماً محورياً في الاقتصاد العالمي، حيث لم يعد معيار القوة الاقتصادية مرتبطاً فقط بحجم الإنتاج، بل بمدى قدرة الدول على الاندماج في شبكات إنتاج وتوزيع عابرة للحدود. وبالنسبة للجزائر، فإن الانفتاح على الأسواق الدولية والإقليمية، يتطلب تحديد مواقع استراتيجية داخل هذه السلاسل، خصوصاً في القطاعات الواعدة، مثل الطاقات المتجددة، الصناعات الغذائية والدوائية والصناعة الرقمية.
ويتيح هذا الانخراط ـ كما يضيف ـ الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، التمويل الدولي والشبكات التجارية، ما يعزز حظوظ الجزائر في التحول إلى فاعل اقتصادي إقليمي ودولي. غير أن هذا التحول يواجه تحديا أساسياً هو التمويل، ما يستدعي ـ بحسب الخبير ـ التسريع في إصلاح المنظومة البنكية والمالية، إلى جانب تنشيط السوق المالية ومنح دور محوري لبورصة الجزائر كمنصة للتمويلات البديلة.
وشدد هادف في الختام، على ضرورة تشجيع استحداث صناديق استثمارية قطاعية موجهة نحو الصناعات ذات الأولوية، كالصناعات الدوائية، الطاقات المتجددة والاقتصاد الرقمي، باعتبارها رافعة جديدة لدعم المؤسسات ومنحها موارد مالية مستدامة بعيداً عن الاعتماد التقليدي على التمويل البنكي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19876

العدد 19876

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19875

العدد 19875

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19874

العدد 19874

السبت 13 سبتمبر 2025
العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025