الاستثمـار في الزراعـات الصناعية مـن أولويات الجزائر الجديدة

”كتامة أغروديف”..إرادة سياسية لنمـوذج صناعـي ناجـح

سعاد بوعبوش

إنتـاج مــادة الزيت محليـا أولويـة الأولويــات

 يحظى الاستثمار في الصناعة الزيتية باهتمام كبير من السلطات العليا للبلاد، وذلك من أجل تلبية حاجيات السوق الوطنية وأحد أهم أولويات قطاع الصناعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة مع وجود إمكانيات لتوفير المواد الأولية التي تدخل في سلسلة الإنتاج محليا، إلى جانب أنّ الاستثمار في هذا المجال يحظى بدعم كبير من الدولة سيما بمصانع الزيت تصل إلى 90 بالمائة، وهو ما أكّد عليه رئيس الجمهورية بالنسبة للراغبين في الاستثمار، وما عليه إلا أن يأتي بحصة 10 بالمائة المتبقية والانطلاق في العمل.

 يعد إعادة بعث أشغال مركب كتامة “آغروديف” لسحق الزيوت النباتية والمرتقب دخوله حيز الخدمة خلال السداسي الأول لسنة 2024، وكذا دخول مصنع “جوماقرو” الذي يعد ثمرة شراكة بين مجمع “أغروديف” وشراكة “مدار” القابضة ببلدية الطاهير حيز الخدمة، نموذجا يترجم إرادة الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي في زيت المائدة والتحكم في السلسلة الإنتاجية واستحداث مناصب شغل، إلى جانب أنه يدخل ضمن استراتيجية إحياء نشاط الوحدات المتوقفة بالنسبة لوزارة الصناعة.
وسيتم الشروع في التجارب الأولية لمركب سحق البذور الزيتية (كتامة أقريفود) ببلدية الطاهير أفريل الداخل، على أن تنطلق عملية تسويق الزيت شهر جوان 2024، حيث يسمح المركب في بداية تشغيله بتغطية حاجيات السوق الوطنية من زيت المائدة بنحو 20 بالمائة، فضلا عن المساهمة في توفير أعلاف الحيوانات بنسبة تتراوح بين 70 و80 بالمائة قبل الانتقال إلى التصدير وتوفير العملة الصعبة في مرحلة ثانية، وهذا كونه يختص في استخراج الزيوت النباتية الخام من مادة الصوجا، ويتكون من مصنع لسحق البذور الزيتية واستخراج الزيوت النباتية الخام، وحدة لتخزين المواد الأولية، ووحدة لتخزين المنتوج النهائي وتسويق الزيوت النباتية.
وتتمثّل طاقة إنتاج المركب في طحن وسحق 5 آلاف طن من البذور الزيتية، وإنتاج ألف طن من الزيوت الخام، فضلا عن إنتاج 4 آلاف طن من الأعلاف يوميا، ما يتطلّب يد عاملة تقدر بـ 500 منصب شغل دائم و1500 منصب شغل غير دائم، وهو ما سيسمح لولاية جيجل بأن تصبح نواة حقيقية للصناعات الغذائية والتحويلية.

تسهيلات كبـيرة

 في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي عبد الصمد سعودي أنّ الصّناعات الزيتية تعتبر من الصناعات الغذائية، ولطالما كانت مشكلا يؤرق الكثير من الحكومات العالمية، علما أنّ استهلاك مادة الزيوت تسجّل في الجزائر معدلات مرتفعة جدا بالنسبة لباقي الدول في العالم، حيث بلغت تكلفة استيراد المواد الغذائية في الجزائر خلال السنوات الماضية ما بين 7 الى 10 مليار دولار سنويا.
وأوضح سعودي في تصريح لـ “الشعب”، أنّ استيراد مادة زيت المائدة كان من الاشكالات الكبيرة بالنسبة للحكومات المتعاقبة، وبالتالي كان هناك تفكير دائما في محاولة إنتاجها محليا، خاصة وأنّ كل الامكانيات متوفرة، سواء من حيث وفرة كل أنواع البذور التي تحتاجها مصانع التحويل للزيوت فهي موجودة في الجزائر، وإذا كانت غير موجودة فهناك إمكانية لزراعتها محليا والاستفادة منها مستقبلا.
وحسب المتحدّث جاء التوجه إلى مصنع جيجل بعد إعادة بعثه، وعودة طرحه على طاولة الحكومة خيارا لابد منه، حيث يعول عليه مستقبلا تغطية أكثر من 40 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، خاصة وأن الحديث يدور حول إنتاج 2 مليون طن من الزيوت التي يمكن تحويلها سنويا، وبالتالي هذا الرهان قوي جدا، خاصة أن رئيس الجمهورية تكلم في العديد من المحطات على أنّ إنتاج مادة الزيت محليا يشكّل أولوية الأولويات، علما أنّ زيت المائدة في الجزائر مدعمة وبالتالي دائما السلع المدعمة يكون إنتاجها أكبر، وبالتالي تكون دائما مشكلا كبيرا بالنسبة للحكومات.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنّ رئيس الجمهورية تكلّم سابقا على التسهيلات الكبيرة الممنوحة لأي مستثمر في هذا المجال، حيث يمكن للدولة أن توفّر 90 بالمائة من التمويل، ما يعني أنّه على المستثمر فقط أن يساهم بـ 10 بالمائة من تكلفة المشروع، والباقي تتكفل به الدولة، موضحا أنّ هذه الصناعة لا تتطلب الكثير من الوسائل اللوجيستية والتقنية العالية، سيما وأن تكنولوجيا إنتاجها متوفرة بالجزائر، وكذلك الأمر بالنسبة للأراضي موجودة والمادة الفلاحية الأولية وكذلك الأموال موجودة، وبالتالي الأمر المتبقي هو ضمان تسيير حسن لهكذا مشاريع.
أما بالنسبة للجانب المالي لهذا النوع من الصناعات خاصة من ناحية الربح، أكّد سعودي أنّ الصناعة الزيتية تعد مربحة جدا، بحيث أن المستثمر فيها يمكنه الاستفادة من كل مخرجاته ولأعلى مستوى، بحيث يمكن استغلال البذور المستعملة في السحق وتحويلها إلى زيوت موجّهة للاستهلاك البشري، فيما يمكن استغلال الجزء الباقي من البذور وتحويله إلى تجارة الأعلاف، وبالتالي تحويله إلى تغذية الأنعام وغيرها، ما يعني أنّ هذه الصناعة فيها الكثير من الفوائد وأبعاد كبيرة جدا، وتمس عدة مجالات وفيها نسبة عالية من الأرباح مقارنة بصناعات أخرى.

قطب صناعــي

 من جهة أخرى، أشار المتحدّث إلى أنّ عقد شراكات في قطاع الصناعات التحويلية أو الصناعات الغذائية، سيما الصناعة الزيتية هو ميدان خصب جدا، خاصة وأنّ هناك بعض الدول كالبرازيل والأرجنتين تتوفر على تكنولوجيا متطورة وخبرة متقدمة في هذا المجال، ولديها قدرات كبيرة في مجال تحويل البذور إلى المادة الزيتية، خاصة وأنّ هناك الكثير من بنوك البذور غير مكتشفة يمكن تحويلها، ولم يعد يقتصر الأمر فقط على بذور عباد الشمس أو الصوجا التي يمكن فقط استخراج منها الزيوت، بل أصبح المجال مفتوحا أمام الكثير من البذور الاخرى التي يمكن اليوم غرسها في الجزائر وتحويلها إلى مادة زيتية. وحسب الخبير في قانون الاستثمار، فإنه يسمح بإقامة شراكات بين الحكومة أو من خلال القطاع الخاص، بحيث يمكن أن تصبح الجزائر قطبا كبيرا للصناعة الزيتية، خاصة أن الكثير من دول العالم على غرار أوروبا مثلا لديهم نقص في مادة الزيت، وهناك ارتفاع جنوني في الأسعار وبالتالي تعتبر هذه الصناعة ذات جدوى اقتصادية في المستقبل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024