فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان لـ (الشعب):

الحرب في مالي ضرر لابـد منه

حاوره: أسامة إفراح

في هذا الحوار، يعتبر فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، بأن الحرب في مالي هو اختيار لأقل الضررين، وأنه يجب إجبار الأطراف على التفاوض.. كما يؤكد أن الإضراب حق يكفله الدستور، ولكنه لا يجب أن يتحول إلى وسيلة إبتزاز تمسّ بحقوق المواطنين وتعطل تقدّم البلاد.. ويجدد قسنطيني رفضه القاطع لعقوبة الإعدام، ويعترف بأنه لا يولي الاهتمام الكبير لتقارير المنظمات الدولية حول حقوق الإنسان بالجزائر..

الشعب - مرحبا بك سيد فاروق قسنطيني.. لنبدأ بقضايا الساعة، وعلى وجه الخصوص العملية العسكرية ضد الجماعات المسلحة شمال مالي، وما يترتب عنها من تبعات.. هناك من يتخوف من هذه العملية لأنها تهدد حياة المدنيين وقد تمسّ بحقوق الإنسان الأساسية بالمنطقة، وفي نفس الوقت نجد أن الجماعات الإرهابية تهدد هي الأخرى حقوق الإنسان.. فأيّ الحلـّين أفضل في رأيك؟ وهل هناك حلّ وسط؟

فاروق قسنطيني - الأمر البسيط.. يجب اختيار أقلّ الضررين.. أنا أوافقك حين تقول إن الحرب قد تخلف ضحايا مدنيين، هذا الأمر منطقي وواضح، ولكن تدخل الجيش الفرنسي والقوات المرافقة له يأتي ضد جماعات إرهابية رأينا كيف تصرفت بهمجية، وبطريقة غير مقبولة وغير معقولة على الإطلاق، لم يحتملها الشعب المالي في حدّ ذاته، لذا أظن بأن هذا التدخل العسكري مبرّر، ونتمنى فقط بأن لا يدوم طويلا، وأن تصل هذه الأزمة إلى حلّ في أقرب وقت ممكن، وترجع الأمور إلى نصابها، ويعود مالي موحدا وتعود سلطاته إلى قيادة البلاد.. لقد رأينا جميعا كيف مارست الجماعات المسلحة الإرهاب والقتل والتدمير، بل وتعدّت حتى على الأماكن والآثار والمساجد التي لها قيمة تاريخية، ومصنفة من طرف «اليونسكو»، لذا وجب وضع حدّ لهذه التصرفات التي مسّت بحقوق الماليين.. أصارحك القول بأنني لا أنظر إلى التدخل الفرنسي بقلب منشرح، ولكنه ضرر ''ضروري''، أو لنقل إنه صار ضروريا.

الحوار مع الحركات التي تنبذ الإرهاب

من جهة أخرى يبدو ضروريا أيضا مواصلة الحوار مع الحركات التي لم تنخرط في الإرهاب، ونذكر على سبيل المثال الحركة الوطنية لتحرير الأزواد.
بالطبع، أنا لست ضد الحوار والتفاوض، بل يجب دائما أن نتفاوض من أجل إيجاد الحل الأكثر ملاءمة، الحل الذي يكون الأقل عنفا والأقل تكلفة.. التفاوض حلّ مطلق، ولكن من الواضح أن هذه الأطراف يجب أن يتمّ ''جرّها'' للتفاوض، وإجبارها على ذلك، لأنها لا تتفاوض بمحض إرادتها كما يبدو، هذه الأطراف لا تتفاوض إلا إذا تمّ إجبارها على ذلك.. من المحزن قول ذلك ولكنها الحقيقة.

لنعد إلى الجزائر، ودائما انطلاقا من مقاربة حقوق الإنسان.. عرفت بلادنا مؤخرا عددا  لا يستهان به من الإضرابات، آخرها ـ ولعله الإضراب الذي أحسّ به الجزائريون أكثر ـ كان إضراب عمّال البريد.. هل يفقه الجزائري فعلا مفهوم حق الإضراب؟ وهل الإضراب عن العمل في قطاعات معينة لا يعرّض حقوق المواطنين للخطر؟
لا يجوز التعسف أو الإفراط في استعمال حق الإضراب، ولا يجب اللجوء إليه إلا كحلّ أخير، كما أنه لا يجوز الخلط بين هذا الحق وبين الابتزاز.. ثم إنه عندما نقوم بالإضراب عن العمل، يجب أن نوفر الحد الأدنى من الخدمات، سواء في البريد أو المستشفيات أو غيرها، حتى لا يعاني المواطن من الإضراب.. وأضيف أنه يتوجب علينا تجنب العيش في الثقافة المنهجية للإضراب، وإلا فإن هذا سيعطل تطور البلاد، وسيعرقل الحياة العادية فيها، وكذا حقوق المواطنين.. أنا أحترم جدا مطالبات العمال وانشغالاتهم، ولكن ما أتمناه هو ألا يلجأوا إلى الإضراب إلا كحلّ أخير حيث لا حلّ آخر بعده، وأن يكونوا مستعدين إلى الحوار حينما تعرض الدولة، أو الطرف المعني بالاحتجاج، الحوار معهم، لأن الحوار يبقى الحلّ الأمثل لمثل هذه القضايا.
وأعود وأؤكد أن الإضراب يجب أن يكون حركة رمزية وليس عملا مضرا بالآخرين، وهو حق يكفله الدستور ولا يمكن المساس به، ولكن يجب توظيفه بطريقة عقلانية ودون إفراط.

على ذكر العقلانية.. برزت مؤخرا قضية اختطاف الأطفال والتعدّي عليهم، وتعالت أصوات من هنا وهناك مطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام على من يقف وراء هذه الجرائم.. ما هو رأيكم؟ وهل ترون أن هذه المطالبات مؤسس لها أم أنها فقط ''فقاعة إعلامية''؟
هذا الأمر مؤسف للغاية.. أولا لا يجب التشريع حسب الظروف أو على ''الساخن'' هكذا، والمطالبة بتطبيق أحكام بالإعدام.. هذه التصرفات تأتي في سياق التسرق والارتباك، وهنا مكمن الضرر، إذ يجب أن نحافظ على الهدوء وألا نستسلم للعواطف، رغم أن هذه الحوادث المذكورة تهز العواطف دون شك، ولكن من المضرّ جدا التشريع تحت وقع العاطفة، وهو ما يأتي دائما بنتائج عكسية.
هذه قناعتي الشخصية، كما أن على الجزائر أن تسقط عقوبة الإعدام، لسبب بسيط وهو أنه لا فائدة منها على صعيد إعطاء المثل.. ولا نقول هنا إنه يجب إطلاق سراح هؤلاء المجرمين، ولكن نطالب بتعويض عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد، دون إمكانية تخفيف العقوبة بأي طريقة كانت، وهذا في نظري أكثر ذكاءً ونجاعة، وعلى الأقل أكثر إنسانية، وأعتقد بأنه عاجلا أم آجلا، مثل كل الدول المتقدمة التي تخلصت من عقوبة الإعدام، فإن الجزائر ستنجح في ذلك أيضا، ولكن من أجل ذلك هنالك طريق طويل لنقطعه، يستوجب كثيرا من النضال من أجل إقناع الرأي العام، وهو ليس بالأمر السهل لأن استثارة الرأي العام سهل جدا، ويكفي حدث واحد من أجل استثارته.. يجب أن نشرح للمواطنين أنه لا يجب قطعا أن نقتل من يقوم بالقتل، لأن الأمر سيكون أشبه بأن نسرق من قام بالسرقة، أو أن نضرب من تعدى بالضرب.. العدالة أمر آخر، يجب أن يكون هنالك عقوبة ملائمة لا تكون عقوبة جسدية، فيما نجد أن عقوبة الإعدام عقوبة جسدية، لذا أعتقد أنه من الأحسن تسليط عقوبة الحرمان من الحرية، التي هي أكثر نجاعة و''عصرية''، مقارنة بالإعدام الذي يعتبر عقوبة ضاربة في القدم وأنها في رأيي ستنتهي إلى الزوال في العالم أجمع.
أما بالنسبة لهذه الجرائم المرتكبة ضد الأطفال، أعتقد بأن الإعلام عمل على ''تضخيمها'' و''إشعالها..'' أنا أفهم العواطف التي تحركها مثل هذه الجرائم، والذي يقترفها يجب أن يعاقب بصفة صارمة، وحسب الوقائع يحكم عليه بالحبس، ولكن ليس بالإعدام للأسباب الذي سبق ذكرها.
 هل تعتقد أن الجزائري ملمّ بحقوق الإنسان ومهيّأ لها؟
  بطبيعة الحال، المواطن الجزائري ذكي جدا ويجب أن نعرف كيف نخاطبه بالبيداغوجية والاحتياطات اللازمة.. الجزائري شخص عصري، ومرتبط بالعصرنة، ويريد أن يتطور مجتمعه ويتحسن، لذا فهو شريك جدير بالثقة، ولكن يجب أن نعرف كيف نخاطبه.
   
استيراد كل شيء يؤدي بنا إلى الكارثة
لعل بعض المنظمات الحقوقية الدولية لا تشاطرك الرأي..

إن رأي المنظمات الدولية لا يهمّني كثيرا، أنا أحترمها ـ لأنني أحترم الجميع ـ ولكنني لا أولي رأيهم كلّ هذا الاهتمام.. ما يهمني هو وطني، وما يحدث به، ومصلحة مجتمعنا، وليس ما تظنه بي هذه المنظمة أو تلك..

أمنياتك للسنة الجديدة 2013.؟

لعل هذه إحدى أمنياتي الأساسية: ألاحظ أن اقتصادنا سلبي، وأننا نستورد كل شيء، وأنا أودّ لو تتحوّل الجزائر إلى بلد منتج.. أنا من المطالبين بالحق في الإنتاج، الجزائري يجب أن يكون في الوضع الذي ينتج فيه ما يستهلكه، وهذا هو الأهم، لأننا إذا استمررنا في اقتصاد البازار واستيراد كل شيء ـ كل ما يؤكل ويستعمل ويلبس ـ فإن هذا ليس حلا، وهو يقودنا نحو الكارثة.. يجب أن نقلب اقتصادنا ونبدأ في الإنتاج، مثلما فعلت دول أخرى قبلنا: أذكر هنا مثال إيران أو تركيا، وهي دول تنتج ٨٥ بالمائة من استهلاكها، ونحن قادرون على مجاراتها.. هذا ما أتمناه للجزائر في ٢٠١٣.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19443

العدد 19443

السبت 13 أفريل 2024