الطاهر هداجي في ذكريات لا تنسى

كنا نعمل 10 ساعات بلا توقف لإخراج الجريدة

حياة. ك

من استعمال الرصاص إلى الطباعة الحديثة...
تحول جذري في حياتنا المهنية

ميزته الهدوء والتفاني في العمل، كان قليل الكلام، الكل يشهد له بالأخلاق الحميدة والرصانة ونكران الذات وهو مثال يقتدى به وقد وصفه كل من عمل معه بـ “العملة النادرة”.
عندما التحقت للعمل كصحفية بالجريدة، كان قد أمضى أكثر من عقدين من الزمن فيها، كنت أشاهده وهو يدخل الدائرة التقنية، لا تغادر الابتسامة محيّاه وهو يحيي الجميع، لم أسمع عنه قط أنه غضب من أحد زملائه أو اشتكى منهم... إنه الطاهر هداجي “المخضرم”، أحد أقدم عمال جريدة “الشعب”، عايش مراحل تطور الطباعة في هذه الأخيرة، تذكرته الجريدة وهي تحيي ذكرى تأسيسها 53.
«عمي الطاهر” هكذا يناديه كل العمال، هو أحد أقدم العاملين في جريدة “الشعب”، غادرها 2011 بعد أن بلغ سن التقاعد وكان قد التي التحق بها سنة 1972.
عمل بالمطبعة “تحت الأرض” كان مقرها آنذاك في “شارع أودان” بالعاصمة، وقد امتزج حديثه بين حنين الماضي الذي عاد به إلى فترة شبابه، والأخوة والصداقة اللتين كانتا تطبعان جو العمل، بالرغم من قساوة الظروف آنذاك، حيث كانت الطباعة بمادة الرصاص “السامة” وكان لها تأثير على صحة العمال، بسبب الرائحة الحادة التي تنبعث منها.
قال “عمي الطاهر”، إنه عندما التحق بالجريدة عمل في قسم الأرشيف، لكن سرعان ما تحول إلى المطبعة، كان ذلك سنة 1974. لم تكن ظروف العمل سهلة كما هي عليه الآن، لقد عانى من صعوبة وتأثيرات مادة الرصاص التي كانت تتطاير شظاياها في بعض الأحيان لتصيب وجوههم، وهم يكدّون من أجل طبع الجريدة وإيصالها إلى القراء، مؤكدا أنه كان يعمل 10 ساعات دون انقطاع من الرابعة مساء إلى الرابعة من صباح الغد. غير أنه لم يكن يحس بالتعب، لأن جو العمل كان “أخويا بامتياز”. لكن سرعان ما تحسنت ظروف العمل بانتقال الجريدة إلى شارع طرابلس بحسين داي، وتزويدها بمطبعة حديثة أنستنا المعاناة التي كنا نكابدها في مطبعة أودان، كان ذلك سنة 1985.
بدأ جو العمل يتغير بالنسبة لعمي الطاهر، نحو الأفضل، بحسب ما ذكر، بعدما تقلصت ساعات العمل من 10 ساعات إلى 5 ساعات بفضل المكننة، لتفتح أمامه مرحلة جديدة للعطاء لكن بإمكانات ملائمة ومريحة مقارنة بتلك التي كان يعمل بها في السبعينيات.
ما يزال عمي الطاهر يحتفظ في ذاكرته بأشياء لم تمح، روى لي أنه كان يعمل في المطبعة رفقة زملائه عندما ضرب زلزال ولاية الشلف “الأصنام” في 10 أكتوبر 1980، تبسم وهو يقول: “لم ندر ما جرى إلا بعد أن غادرنا مقر العمل، حيث سمعنا أشخاصا يتحدثون عن هذه الفاجعة”، وهذا ما يدل على أن انهماكه في العمل لدرجة أنه لم يحس بوقع الهزة إلا بعد مغادرة مقر العمل.
وهو يتحدث، أشار إلى أنه لم يستطع نسيان وقائع العشرية السوداء، والخطر الذي كان يتربص بمنتسبي قطاع الإعلام عامة، خاصة عندما كانوا يغادرون الجريدة ليلا، هنا ذكر عمي الطاهر أنه لم يكن يدري إن كان سيصل إلى عائلته “حيّا”، هذه الذكريات المؤلمة ماتزال محفورة في ذهنه خاصة وأن الجريدة فقدت صحافيين في سنوات الإرهاب، بعدما اغتيلوا وهم يقومون بواجبهم المهني، وقد تأثر لذلك كثيرا، وشكر الله على نعمة الأمان التي نحن فيه الآن.
فضل عمي طاهر أن يقدم نصائح للشباب العاملين في الجريدة في ختام حديثه معنا، حيث أكد على ضرورة إخلاص النية في العمل والتفاني فيه وإتقانه، مركزا على أهمية أن تسود العلاقة الطيبة بين الزملاء وتجنب كل ما من شأنه أن يفسد الود بين العمال، الذين يتعين عليهم الاتحاد ونبذ الخلافات وسوء التفاهم فيما بينهم، وهي القوة التي تخدم الجريدة وتطور مستواها وترفع من شأنها بين الجرائد الأخرى، فـ «الشعب» تبقى بالنسبة له أمّ الجرائد بدون منازع، وهو يعتز كونه أحد من ساهموا في بقائها واقفة لحد الآن، خلال الفترات الصعبة التي مرت بها.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19832

العدد 19832

السبت 26 جويلية 2025
العدد 19831

العدد 19831

الخميس 24 جويلية 2025
العدد 19830

العدد 19830

الأربعاء 23 جويلية 2025
العدد 19829

العدد 19829

الثلاثاء 22 جويلية 2025