الحفاظ على العنوان وتطويره نضال خضناه دون ملل
يعتبر أحمد علواني من العمال الذين ساهموا في الحفاظ على استمرار إصدار جريدة “الشعب” لمدة 36 سنة كاملة من خلال المجهودات التي قاموا بها في الأوقات الصعبة التي مرّت بها المؤسسة، بكل بساطة لأنّهم كانوا يحبّون هذا العنوان ووفائهم وتفانيهم، وروح الإرادة والتضحيات التي قاموا بها في تلك الفترة. ونحن نحتفي بالذكرى الـ 53 لصدور أمّ الجرائد، جعلنا نسترجع أهم الذكريات التي عاشها “عمي أحمد” طيلة الفترة التي قضاها وأهم الأحداث التي عايشها.
ببساطته المعهودة وصراحته المألوفة التي لمستها منه منذ أن وطأت قدماي جريدة “الشعب”، حدّثنا عمي “أحمد” عن أبرز مراحل تواجده بالمؤسسة مع اختلاف وتغيير تقنيات العمل من زمن لآخر قائلا: “عندما بدأت العمل في أمّ الجرائد لم يكن سنّي يتجاوز الـ 22 عاما، حيث كانت أمامي ثلاث خيارات لفرص عمل كوني ابن شهيد، الأولى في الجمارك والثانية في مصالح بلدية حسين داي والثالثة في جريدة “الشعب” ولأنّني درست اللغة العربية اخترت الثالثة لأني لم أتمكن من مواصلة الدراسة بسبب صعوبة الحياة، وحاجتي إلى العمل لتغطية حاجيات المنزل، وبدأت العمل سنة 1976 في عهد السيد عبد القادر بن صالح وبعده محمد السعيد، وبقيت في هذه المؤسسة إلى غاية الانفتاح الإعلامي”.
وواصل “عمي أحمد” في سرد مشواره بجريدة “الشعب” بكل صراحة قائلا: “ورغم فصلي من جريدة “الشعب” لفترة طويلة إلاّ أنّي عدت إليها سنة 1997 في عهد المدير بوكردوس بمبلغ ضعيف جدا يقدّر بـ 4000 دينار جزائري بعدما توقفت جريدة “السلام” لأنّ “الشعب” هي الأم ولا ملجأ لنا غيرها في ذلك الوقت، كما تعوّدنا على ظروف العمل فيها ولدينا زملاء وأصدقاء كثيرون رفقة كل من قدور بومايدة، إسماعيل شعلال، حسين قادري، صادق سالمي، رابح بزيو، محمد قادري ولكن فيما بعد تحّسنت الأمور بصفة تدريجية حتى تمّ ترسيمي سنة 2001، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه في السابق وبقيت إلى غاية يوم 28 جانفي 2012، وهو تاريخ إحالتي على التقاعد”.
رغم صعوبة المأمورية إلاّ أنّنا تحدّيناها بالإرادة”
وعاد الحنين بعمي أحمد إلى الأيام الحالكات بسبب رغبة بعض الجهات في غلق الجريدة، إلاّ أنّهم قاموا بالمستحيل للحفاظ عليها لأنّها كانت مصدر رزق عدد كبير من العمال: “الحمد لله تمكنا من الحفاظ على صدور الجريدة رغم رغبة بعض الأطراف في غلقها، حيث قمت أنا شخصيا بطبعها في القبة، سهرنا عليها حتى وصلت إلى القرّاء في ذلك الوقت بمساعدة عدد كبير من الزملاء عندما كنّا في ساحة أودان، منهم من وافتهم المنية على غرار فرحات بن خليف، عبد الحميد بوكي، محمد مراوي، وهم من المؤسّسين وآخرون ما زالوا على قيد الحياة رغم صعوبة المهمة لأنّ الوسائل لم تكن متطورة مثلما هو عليه الحال الآن. كنّا نقوم بتذويب الرصاص في الفرن تحت الأرض أين تصل درجة الحرارة إلى ٣٥٠ درجة، ما أدى إلى مرض عدد كبير من العمال بسبب تطاير شظايا مادة الرصاص التي كنا نستعملها في الكتابة عن طريق صفائح، وبعدها نقوم بعملية التصحيح عن طريق آلة أخرى لا تقلّ صعوبة عن سابقتها، ولهذا فإنّ المأمورية لم تكن سهلة بتاتا وعانينا كثيرا حتى كنّا نوصل الجريدة إلى القراء في الوقت المناسب حيث كنا نعمل قرابة 10 ساعات كاملة في ظروف قاسية لم نكن نملك فيها حتى بطاقة مهنية”.
عانينا كثيرا للحفاظ على العنوان
“رغم ذلك إلاّ أنّنا لم نتراجع عن مهمّتنا في الحفاظ على هذا العنوان، وإبقائه موجودا بين كل الجرائد لأنّنا أحببنا المهنة وعملنا بضمير وإرادة حتى في العشرية السوداء عندما اشتدّت الأزمة في الجزائر. تعبنا كثيرا للحفاظ على وجود جريدة الشعب إلى يومنا هذا، لأنّ المهنة متعبة والظروف كانت صعبة في ظل غياب الوسائل والأجهزة المتطورة، إضافة إلى الأزمات المتعددة التي مرت بها وآخرها في العشرية السوداء، حيث كنا نخرج من منازلنا ولسنا متأكدين من العودة، في أغلب الأحيان كنّا نبقى في المؤسّسة عندما يتأخّر الوقت، خاصة عندما فرض قانون حظر التجول وعقولنا كلها في عائلاتنا خاصة الذين كانوا يسكنون في مناطق أكثر حساسية خاصة بين سنتين 1990 و1994 لأنه لم يكن لدينا وسائل نقل، ورغم ذلك لم نتوقّف وبقينا صامدين وتجاوزنا كل العراقيل، حيث شاهدنا انفجار قنابل أمامنا ولكن لم يكن لدينا بديل، حيث كنا نخفي مكان عملنا وما هي المهنة التي نشتغل فيها وكنا نخرج بطريقة متخفية، ورغم ذلك إلا أنه هناك من سقطوا شهداء على أيدي الغدر مثل يحياوي عبد الحميد ولكن الحمد لله عملنا والآن بقيت ذكريات فقط”.
أما عن العنوان جريدة “الشعب”، اعتبره عمي أحمد بمثابة حياتهم ككل لأنه مصدر قوتهم وتمكنوا من تربية أبنائهم وقضاء حاجيات عائلاتهم في قوله: “جريدة الشعب هي حياتنا لأنها مصدر قوتنا ولا بديل لنا عنها، وبها وصلنا إلى التقاعد وربينا أولادنا، وهي مدرسة رمز بدليل أنه هناك العديد من الوزراء تخرّجوا من هذه المؤسسة، وستبقى عنوانا راسخا في الذاكرة من دون منازع. وفي الأخير أتمنّى أن تبقى في الطليعة لأن الوسائل والظروف الحالية مناسبة من أجل العمل والبقاء في المستوى العالي بالمقارنة مع السابق عندما كنا نفتقر لأبسط الحاجيات والوسائل، ونحن نفتخر عندما نشاهد الشعب بين العناوين الأخرى خاصة في حصاد الجرائد، هنا أسعد كثيرا لأننا قضينا حياتنا كلها في هذه المؤسسة ويهمّني كثيرا أن أراها في الصّدارة، وأشجّع الشّباب السّاهر على بقائها الآن خاصة أنّي عايشت الجيل المؤسّس والجيل الحالي، ولمست الفرق الموجود والمتمثّل في الوسائل والتقنيات، وأتمنى أن تكون هنالك التفاتة للذين قاموا بالحفاظ على وجود الجريدة لأنّهم قدوة لا نستطيع الاستغناء عنهم”.