إن التطورات التكنولوجية الهائلة، يمكن أن تشكل فرصة للجزائر لتسريع وتيرة التنمية من خلال الاستغلال الأمثل للإمكانيات البشرية والمادية التي تمتلكها، عبر توظيف الوسائل التقنية المتطورة وجعلها في خدمة الاقتصاد الوطني لمواجهة التراجع الكبير في مداخيلها من العملة الصعبة بسبب السقوط الحر لأسعار المحروقات التي تعتمد على عائداتها بنسبة 98٪، وهذا مؤشر كاف لإطلاق صافرة الإنذار والتفكير مليا في إيجاد بدائل تنهي هذه التبعية المفرطة للمحروقات وحسابات أسواق النفط التي أصبحت تتحكم في رقابنا بسبب ارتباطها بمعطيات جيواستراتيجية تتعلق بالصراع بين الدول الكبرى من أجل النفوذ والهيمنة على هذا العالم.
شكل هذا الموضوع محور ندوة نقاش احتضنها «المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة»، أمس، بعنوان «التطورات التكنولوجية الهائلة و الفرص المتاحة امام الجزائر» نشطها الخبير الاقتصادي جون لويس ليفي المكلف بالتعاون الجزائري - الفرنسي في المجال الصناعي والتكنولوجي المكلل لإعلان الجزائر الموقّع بين الرئيسين الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والفرنسي فرانسوا هولاند سنة 2013 حول التعاون والصداقة بين البلدين.
هذا وقد قلل ليفي خلال مداخلته من أهمية الملايير في إطلاق التنمية وتحقيق التقدم الاقتصادي في أي بلد، واعتبر أن المعرفة والإبداع أصبحا من أهم العوامل في تحقيق ذلك ومدعما وجهة نظره بأمثلة عما حققته اليابان ودول أخرى لم تكن تمتلك لا أموال ولا موارد ولكنها استطاعت أن تصنع المعجزة وفي هذا الصدد عقد المحاضر مقارنة بين دول عديدة استطاعت القيام بالوثبة في حين بقيت أخرى - أطلقت مشاريعها التنموية في نفس الفترة مع تلك الدول - تكابد التخلف والتأخر الاقتصادي ليؤكد أن الإمكانيات المادية لا تكفي وحدها لحصول التقدم والرفاه.
جون لويس ليفي عرّج في معرض مداخلته على التعاون الجزائري - الفرنسي معتبرا أن هذا الأخير يجب أن يقوم على مبدأ الاعتماد المتبادل مؤكدا أن بلاده فرنسا هي في حاجة إلى الجزائر في إطار هذه المعادلة كما هو الشأن بالنسبة للجزائر الذي قال انه في إمكانها أن تعوّل على فرنسا لمساعدتها في اللحاق و الاندماج فيما اسماه الشبكات الدولية للمعرفة من حيث كونها توفر فرص هائلة للحصول على التكنولوجيا والمعرفة خاصة وأن الجزائر – أضاف المحاضر- لديها فرص أكثر لتحقيق التحول التكنولوجي بسرعة ومن بين هذه المحفزات ذكر لويس التعداد السكاني للجزائر الذي اعتبره لا يساوي شيئا مقارنة مع الصين و الهند اللتان تعتبران قاراتان، من حيث السكان وهذا العامل كان شكل عبء عليهما في هذا الانتقال، في حين أن التعداد السكاني للجزائر المقدر بأربعين مليون نسمة فقط من شأنه أن يسرّع تعميم استعمال التكنولوجية المتطورة على كافة أفراد الشعب في أقل وقت ممكن ما يعني أن الجزائر يمكنها تحقيق هذا الانتقال في مدة اقل بكثير.
وعن المزايا التي يوفرها هذا التطور التكنولوجي وما يمكن للجزائر أن تجنيه من ذلك، اعتبر أحد مسؤولي تطوير التعاون الجزائري-الفرنسي أن الجزائر يمكنها أن تستغل هذه السانحة في عملية الانتقال الطاقوي الذي يدخل ضمن خياراتها المستقبلية، معتبرا أن التكنولوجيا ستسرع هذا الانتقال وهذا علاوة على انه سيساعدها في رقمنة استهلاك الطاقة مما يسمح بتحكم اكبر في التوجهات الطاقوية من جهة ويساهم في ترشيد الاستهلاك من خلال ما توفره التكنولوجيا من معطيات ومؤشرات يمكنها أن تحدث ثورة ضد التبذير والاستغلال غير العقلاني للطاقة.
الأكيد ان ما قدمه السيد جون لويس ليفي في تبيان الفرص المتاحة أمام الجزائر للاستفادة من التكنولوجيات العالية المتوفرة حاليا ايجابي للغاية، لكن يبقى التذكير أن الأهم في المسألة أن فرنسا في إطار هذا التعاون والصداقة عليها مساعدة الجزائر من أجل الحصول على التكنولوجيا والعمل على تحويل ما تمتلكه من خبرة ومن حسن تدبير في المجالين الصناعي والتكنولوجي، عندها فقط يمكن التحدث عن تعاون مثمر وإيجابي يقوم فعلا على الاعتماد المتبادل وعلى معادلة (رابح- رابح).