عرفتها في مرحلة الابتدائي أين كنت تلميذة بمدرسة «عيسى كويسي» بحي البدر بالقبة، كانت فتاة طبيعية. كشفت لي الأيام أنها تعاني إعاقة تمنعها من ممارسة حياتها بصفة طبيعية، ولكن رغم ذلك كان والدها عمي «عمّار» رحمة الله تعالى لا يدخر جهدا من أجل أن تحظى ابنته بنفس فرص أقرانها. «الشعب» ترصد مسار نبيلة التي رفضت أن تبقى أسيرة الاعاقة. التفاصيل في هذه الوقفة بمناسبة اليوم الوطني للمعاقين.
رغم الإعاقة إلا أن «نبيلة لعريبة» كانت من التلاميذ النجباء وكانت نتائجها الدراسية لامعة ما سمح لها بالانتقال إلى الطور التعليمي الثاني بتفوق... والتحقت بإكمالية «حي البدر» بالقبة، وهناك درستُ معها في قسم واحد، ما جعلني أتقرب منها لتصبح فيما بعد من أعز صديقاتي إن لم أقل الوحيدة....
أتذكر أنها في تلك الفترة أبهرتني بالقوة والعزيمة التي تملكانها حيث ترفض البقاء في البيت رغم أنها في حاجة إلى رفيق دائم يساعدها على صعود السلالم، الجلوس والنهوض، ومن حسن الحظ أن واحدة ممن كانت معنا في القسم كانت تقوم بهذه المهمة على أكمل وجه وبكل حب وتفاني رغم أن لا أحد طلب منها ذلك، كانت تعمل كل ما في وسعها لتسهيل عملية تنقل نبيلة من البيت إلى الإكمالية، أتذكر أنها في السنة السابعة أساسي كانت تسير على قدميها ولكن عند بلوغها السنة التاسعة كان عليها التنقل في كرسي متحرك ولكن رغم ذلك تحصلت على شهادة التعليم الأساسي بنتائج لامعة وهنا كان عليها أن تبدأ مرحلة جديدة من حياتها.
ولكن الأكيد لابد أن نتكلم عن المساعدة التي قدمتها إدارة الاكمالية إلى هذه التلميذة المعاقة، فأولا برمجت كل الحصص الدراسية للقسم الذي تدرس فيه بالطابق السفلي حتى لا تجبرها على صعود السلالم إلى الطابق الثاني، وقبلت بقاءها بالاكمالية في الفراغ الساعي بين الدوام الصباحي والمسائي، لذلك استطاعت نبيلة أن تدرس بدون مشاكل تقريبا.
قلنا أن مرحلة جديدة من حياتها بدأت مع التحاقها إلى ثانوية «حسيبة بن بوعلي للبنات» بالقبة، وهناك لم تدرس أكثر من خمسة عشر يوما لأنها وجدت صعوبة كبيرة في التنقل من الأقسام إلى المختبر بسبب السلالم ولم تجد حيلة لتجاوز عجزها سوى ترك مقاعد الدراسة لتتحول إلى التعليم عن طريق المراسلة، وأتذكر أن الأساتذة شجعوها كثيرا وكانوا على اتصال دائم بها لأنها كانت تأسر الجميع بتفانيها وطموحها غير المحدود لإثبات ذاتها وقدرتها على تخطي الصعاب.
كنت أزورها بين الفترة والأخرى في منزلها من أجل الاطمئنان عليها ومراجعة بعض الدروس معها، كانت تملك أسلوبا قويا في كتابة القصص، ولكن ميولها العلمي جعلها بعد بلوغها المستوى النهائي تتحول إلى مركز التكوين المهني الخاص بالمعاقين الكائن بمفترق الطرق الأربعة القبة لتدرس تخصص الإعلام الآلي وبالفعل تخرجت كتقني سامي في الإعلام الآلي سنة 1999، واستطاعت أن تثبت ذاتها رغم أنها في السنوات الأخيرة قبل وفاتها سنة 2006 لازمت الفراش.