التحذيـر من التلاعـب بالمفاهيـم التاريخيـة
حذر، أمس، عبد المجيد شيخي المدير العام للأرشيف، من مغبة التلاعب بالمفاهيم التاريخية الصادرة عن الطرف الفرنسي الذي ما زال يتمادى في استعمالها إلى غاية يومنا هذا انطلاقا من خلفيات ذات أبعاد استعمارية محضة، تنم عن أفكار راسخة في ذهنيات البعض من الغلاة الذين يحركهم الحنين إلى ماض بغيض.
هذا التوجه المغرض يراد منه إضفاء التبعية وعدم الإعتراف بالآخر، عمل به الإحتلال من الناحيتين السياسية والعسكرية ووظفه في مواقع لعل وعسى يحوز على مزيد من النقاط لإطالة عمر هذا الاستعمار على أرض الجزائر كاستعماله لمصطلح «التصريح الحكومي» بدلا من «اتفاقيات إيفيان» و«الإذعان» و«حفظ الأمن».
حاول الإستعمار الفرنسي بترسانته القانونية أن يفرض هذه الحالة، لكنه مع اشتداد القتال على الأرض أدخل تغييرات جذرية على خطابه وهذا بالسعي للاعتراف بالثورة الجزائرية التي حددت أهدافا للتغيير الجذري للأوضاع بداخل البلاد سياسيا وعسكريا واجتماعيا.
وفي هذا الشأن، دعا شيخي إلى التحلي باليقظة حتى لا نقع في هذه الأخطاء، ونتفادى اجترار كلمات بعيدة عن قاموسنا فلا يحق لنا مثلا استعمال «الأحداث» عند الحديث عن الثورة التحريرية أو «8 ماي 1954» وغيرها من المحطات النيرة في مسيرة الكفاح الوطني.
وفي هذا السياق، كان شيخي واضحا وصريحا في آن واحد، وهذا عند شرحه لهذا الجانب شرحا مستفيضا مع التأكيد على الصلة الوثيقة مع الذاكرة الوطنية العميقة وكذلك التفاعل مع غاية الكفاح المسلح ألا وهو استرجاع السيادة الوطنية بعد 130 سنة من التغييب.
ولإبقاء هذا التواصل في أسمى تجلياته شدّد شيخي على ضرورة البحث المتواصل على الوثائق الأصلية لكبرى قرارات الثورة الجزائرية، وفي هذا الإطار أوضح بأن مؤسسة الأرشيف لا تحوز على الأصول لاتفاقيات إيفيان ولا حتى بالنسبة لبيان أول نوفمبر، أو أرضية الصومام، أو إعلان وقف إطلاق النار على لسان المجاهد الهاشمي هجرس.. مرجعا سبب ذلك إلى أن البعض من الأشخاص أخذوها ويسعى الأرشيف جاهدا من أجل استعادتها في حالة العثور على أصحابها.
وبخصوص بيان أول نوفمبر فإنه وزع على أنه منشور، والنسخة التي تحصلنا عليها وجدناها في تقرير لمحافظة الشرطة بالعاصمة حتى الذي تم تلاوته في إذاعة «صوت العرب» غير موجود إلا أن النسخة الصوتية حصلنا عليها.
وفي هذا الإطار لا يتوانى الأرشيف عن التحرك في كل الاتجاهات من أجل أن يكون في الموعد قصد مناشدة كل من بحوزته وثيقة أصلية أن يسلمها لمصالح المؤسسة خدمة للجزائر والبحث التاريخي.
ولا ينفي أو يلغي شيخي الحق في كتابة التاريخ لكن الكلمة الأخيرة أو الفاصلة يصدرها القارئ تجاه ما قيل عن وقائع معينة، فهناك أضاف ممن يحترمون هذه المهنة قد تكون بالنسبة لهم مطية أو البحث عن موقع أو نزوات شخصية، وعليه فإن القاعدة المطبقة في هذا المضمار هي أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.
وتساءل المدير العام للأرشيف هنا هل هناك إضافة علمية على ضوء هذا الاجتهاد وهل ترتقي الكتابة الحزبية إلى الكتابة العلمية؟ فمهما تكون هذه الكتابات فإنه لابد من التأكيد بأن الثورة الجزائرية حققت حلم الجزائريين ألا وهوسترجاع السيادة الوطنية بالدم والدموع.