حق مجلس الأمّة في التعديل

دراسة في ضوء اجتهاد المجلس الدّستوريّ الجزائريّ والمراجعة الدّستوريّة لعام 2016

بقلم الأستاذ خالد شبلي باحث في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية عضو بمخبر القانون، العمران والمحيط كلية الحقوق جامعة باجي مختار – عنابة -

على مستوى القانون العضوي الناظم للعلاقات مابين غرفتي البرلمان والحكومة والنظام الداخلي لمجلس الأمة:
انطلاقا من فكرة أن العلاقات المتعدّية مابين سلطتين تتجاوز الأنظمة الداخليّة، فإن تنظيم وعمل البرلمان في الجزائر يتميز دستوريًا، بالإحالة على قانون عضوي. غير أنّ الدّساتير المقارنة تخطت هذا الرأي تعزيزًا لصلاحيات البرلمان، لذا عند إقرار المراجعة الدّستوريّة بالجزائر  تمّ تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات ومنح صلاحيات أوسع لكلتا غرفتي البرلمان، وبالتالي ضرورة إعادة النظر في القانون العضوي الناظم للعلاقات مابين الحكومة والبرلمان،حيث أحالت المادة 132 من الدستور المعدل، على القانون العضوي تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، وعلى القانون العادي تحديد ميزانية الغرفتين، كما أكّدت على استقلالية المجلسين في تحديد أنظمتها الداخلية، حيث تنص على أنّ: «يحدّد قانون عضوي تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة.
يحدد القانون ميزانية الغرفتين.
يعدّ المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة نظامهما الداخلي ويصادقان عليهما».

إستقراءً لنص المادة 132 من الدستور المعدلة، حديثا، وهي تتضمن نفس أحكام المادة 115 من دستور 1996 مع تعديل للفقرة الثانية، حيث تم حذف إشارة إلى تحديد القانون لـ «التعويضات التي تدفع للنواب وأعضاء مجلس الأمة»، مع التذكير بأن بعض الدساتير المقارنة على غرار الدستور الفرنسي أشار صراحة إلى أهم الأحكام والقواعد الإجرائية التي تحكم حق التعديل، نظرًا لأهمية تكريس هذا الحق في العملية التشريعية، وأحالت على النظامين الداخلين لكلا من غرفتي البرلمان ، في إطار القانون الأساسي، وبالرجوع إلى القانون العضوي رقم 99 - 02 المؤرخ في 08 مارس 1999 الذي يحدد تنظيم البرلمان بغرفتيه وعملهما وعلاقتهما بالحكومة، نجد أنه قيد من دور مجلس الأمة في مجال التشريع الذي يعد جانبا أساسيا في العمل البرلماني، وفي ضوء المستجدات الجديدة، لاسيما بمنح مجلس الأمة صراحة حق المبادرة بالتشريع بموجب المادة 136 من الدستور المعدل، فإنه من المتوقع:
 أن يتم إلغاء القانون العضوي رقم 99 - 02 والمؤرخ في 08 مارس 1999، وسنّ نص تشريعي جديد يعكس ما جاء في المراجعة الدستورية لعام 2016 في أقرب الآجال، لأنه القانون الإطار، المتضمن لأهم القواعد الإجرائية التي تعمل وفقًا لها السلطة التشريعية.
أن يتم التنصيص على حق مجلس الأمة في التعديل، وتحديده بشكل حصري في المجالات المحددة لمجلس الأمة المبادرة بالتشريع فيها وفقًا للمادة 136 من الدستور المعدل أي الأخذ بالاتجاه المضيق، الذي يؤسّس على فكرة أن حق التعديل هو حق تبعي وليس حق مستقل؛
منح اللجنة المختصة ولأعضاء مجلس الأمة وللحكومة حق تقديم اقتراحات التعديلات على مشروع أو اقتراح القانون المعروض على اللجنة لدراسته؛للإحالة على النظام الداخلي لمجلس الأمة إجراءات وشروط تقديم اقتراحات التعديلات مع مراعاة أحكام المادة 136 من الدستور، إستئناسا بتجربة الغرفة السفلى، يتوقع أن يتم التنصيص في النظام الداخلي لمجلس الأمة على أهم الإجراءات والشروط التي نص عليها النظام الداخلي للغرفة العليا مع حصر اقتراحات التعديل في المجالات المحددة في المادة 136 من الدستور. مع التنصيص على الشروط الدستورية التي تدخل في إطار شروط القبولية  (Condition de recevabilité).
كما هناك احتمال ضئيل جدا، في حالة عدم الإشارة إلى المادة 136 من الدستور المعدل، ضمن الأحكام الناظمة لحق التعديل في القانون العضوي، المزمع سنه، تطبيقًا لحكم الفقرة الأولى من المادة 132 من الدستور المعدل، إلى أن يقوم مجلس الأمة بطرح فرضية الاتجاه الموسع في مجال الحق في التعديل، وفقا للحجج السالفة الذكر، سابقًا، خاصة إذا علمنا أن هناك توجه ملموس لذا أغلب أعضاء مجلس الأمة المتشبعين بالفكر القانوني، بضرورة تمكينهم من حق التعديل، تأسيسا على المادة 98 من دستور 1996، أي المادة 112 من الدستور المعدل، والذي رجع إليها المجلس الدستوري في تعليله في إعطاء مجلس الأمة الحق في المبادرة بالتشريع، في آخر  رأي له حول المراجعة الدستورية لعام 2016، وعلى اعتبار أن النظام الداخلي، يستوجب مراجعته قبل إعادة تحيين القانون العضوي، المشار إليه أعلاه.

فيما يخص الرّقابة القبلية للمجلس الدّستوري: هل يكرّس اجتهاده السّابق أو يغيّره وفقا للمستجدّات الرّاهنة:
كرّس التعديل الدستوري لعام 1996، أو ما يصطلح عليه البعض بدستور 1996، رقابة مجلس الدستوري على الأنظمة الداخلية للبرلمان، بعدما كان سابقًا محل لجدل فقهي، بالإضافة إلى القوانين العضوية، التي جاء بها دستور 1996، وفي ضوء المراجعة الدستورية لعام 2016، فإن القانون العضوي المتعلق بتنظيم تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا  العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، فيكونان محل لرقابة المطابقة، القبلية.
إنّ التّساؤل الذي يطرح هنا والمتعلق بموضوع الدراسة، هل يكرّس المجلس الدستوري اجتهاده السابق الخاص بطبيعة حق التعديل حيث ربطه المجلس الدستوري بالحق بالمبادرة، أو يتم مراجعة هذا الرأي؟
الإجابة عن هذا التساؤل الجوهري، تكمن في تحديد طبيعة الرقابة التي يقوم بها المجلس الدستوري على النظام الداخلي، وكذا قواعد عمل المجلس الدستوري، وهل يؤخذ بالأحكام الاجتهادية السابقة؟
يجب الإشارة أولاً، بأن رقابة المجلس الدستوري على النظام الداخلي أو القانون العضوي هي رقابة مطابقة بمعنى لا اجتهاد مع النص، يجب أن تكون النصوص متطابقة شكلاً وروحًا مع الدستور، فالرقابة هنا تكون شديدة، لذا هناك احتمال ضئيل أن المجلس الدستوري يقبل بتوسيع مجال حق التعديل لمجلس الأمة، خارج النصوص الدستورية، وسبب أن هذه الرقابة شديدة ودقيقة لأنها رقابة لقواعد إجرائية بالأساس، ولكي لا تتعدّى سلطة أو مؤسسة دستورية على اختصاصات مؤسسة أخرى، أو تفرض صلاحيات جديدة لم يمنحها لها الدستور في مواجهة المتعاملين معها، حيث يشير البروفيسور السعيد بوالشعير، ورئيس المجلس الدستوري، سابقًا، إلى أنّ: «مبدأ المطابقة يفيد المماثلة بين النص الأساسي (الدستور) والقانون العضوي بما يجعله مكملا وشارحا أو هما معا دون أن يتخطى دلك، فموضوعات رقابة المطابقة محدّدة على سبيل الحصر وكل خروج عن ميدانها يعد خرقا لأحكام الدستور، فإن سن نص من ذات الطبيعة (قانون عضوي أو نظام داخلي) غير مذكور في الدستور هو عمل مخالف للدستور، ....»، ويخلص إلى أنه:
«بالنّتيجة فإنّ التّفسير في المطابقة يكون أيضًا ضيقًا مرتبطًا بما هو مباح رسميًا دون أن يتخطى ذلك إلى ما هو غير محظور أو لا يتنافي مع الدستور خلافًا للرقابة الدستورية الواسعة».
ويؤكّد هدا الطّرح البروفيسور يلس شاوش بشير، إذ يرى بأن لا يعتبر النّص المراقب صحيحًا إلا إذا كان مطابقًا للدستور نصًا وروحًا، ومن ثم فإن كل ما لم يُرخص به نص دستوري صراحةً فهو محظور.
إنّ هذا التشدد في رقابة المطابقة تتجلّى أيضا حسب الأستاذ سعيد بوالشعير من خلال تشدد المجلس الدستوري في وجوب التقييد بالمصطلحات المتداولة والمنصوص عليها في النص الدستوري الأصلي، ولكن هذا التشديد في الأخذ بالمصطلح، في هذه الحالة، قد ينجر عنها تناقضا في النصوص الإجرائية، خاصة إذا علمنا مثلاً ورود بعض الأخطاء المادية في المراجعة الدستورية لعام 2016، فمثلاً لم يتم استبدال مصطلح «المصادقة»، بمصطلح «التصويت» في المادة 138 من الدستور المعدل، لأن فلسفة النص الدستوري الجديد، ترمي على منح مجلس الأمة صلاحية التشريع في هده الحالة في مجالات محددة، ولإبقاء على هذا المصطلح، في هذه الحالة، يُعد عائق أو تناقض، يجب معالجته.
أما بخصوص هل يمكن أن يكرس المجلس الدستوري اجتهاده السابق أو يطرح اجتهاد جديد؟ يجب إشارة إلى أن بعد مصادقة الغرفة العليا على نظامها الداخلي ترسله إلى رئيس الجمهورية، والذي يقوم بإخطار المجلس الدستوري على اعتبار أن رئيس الجمهورية، حامي الدستور، هو المخوّل دستوريًا وحصرًا في هده الحالة، بإخطار المجلس الدستوري، وهو من يصدرها، ومن ثم يدرس المجلس الدستوري رأيه بخصوص مدى مطابقة هذا النظام مع الدستور، ونظريًا، ليس هناك أي إلزام قانوني أو تنظيمي بموجبه يستوجب على المجلس الدستوري التمسك باجتهاداته السابقة، وهل هذا معناه أن يتراجع المجلس الدستوري عن اجتهاده السابق لصالح توسيع حظ أعضاء مجلس الأمة في التعديل؟ خاصة في ظل المستجدات التي عرفتها النصوص الدستورية الناظمة للعملية التشريعية؟ ممكن أن يقرّ المجلس الدستوري حق التعديل بمفهومه الضيق إذا استند على الفقرة الثانية من المادة 112، فطبيعة الرقابة المتشددة، والتي سمحت لمجلس الشعبي الوطني، بصلاحية التعديل، بالرغم من عدم وجود نص صريح، على عكس التجربة الدستورية الفرنسية، بل أسّس رأيه على المادة 132 من الدستور المعدل، والتي تمنح لـ 20 نائب حق المبادرة بالتشريع، وبالتالي يمكن أن يكون نفس الطرح، بالنسبة لمجلس الأمة، لكن في حالة أن نص النظام الداخلي على هذا الأمر، والذي غالبا ما يسبق صدور القانون العضوي، وكذا عدم تقييد القانون العضوي لصلاحيات مجلس الأمة في حق التعديل في ضوء المراجعة الدستورية الحديثة التي تتوجه وتهدف نحو تفعيل أكثر لمركز مجلس الأمة في العملية التشريعية.   إنّ هذا الطّرح يجعل من مجلس الأمة غرفة تتمتّع بصلاحيات واسعة في المجال التشريعي ممّا يساهم في تبوئها مركز قانوني هام في مجال إثراء وتنقيح المبادرات التشريعية في الجزائر.

الخـــــــاتمة

يتّضح في الأخير، بأنّه، وكما يقول أحد أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي «برتليمي آوت»، في عام 1946:
«البصر واحد، لكن أُبْصِرُ أَحْسَنْ بعينين»
« La vue est une, maie je vois mieux deux yeux»
إنّ هذه الدراسة الموجزة، حول موضوع حق مجلس الأمة في التعديل، هي تأكيد لهذه الحكمة البالغة، وإجابة عن التساؤل الذي كثير ما طرح حول الغاية أو الهدف من الدراسة المتعاقبة للنص القانوني من قبل غرفتي البرلمان، لذا يجب تكريس حق مجلس الأمة في التعديل في القانون العضوي الناظم للعلاقات ما بين كلا من غرفتي البرلمان والحكومة، وكذلك في النظام الداخلي لمجلس الأمة مع ترك المجال محفوظ لغرفة البرلمان تحدّد أطر عملها، مع إعمال رقابة المطابقة من قبل المجلس الدستوري، كما أنّ توسيع حق مجلس الأمة في التعديل، تستوجب إعادة النظر في طريقة حل الخلاف أو تبنّي صراحة آلية الذهاب والإياب، ولا يكون ذلك إلى في إطار مراجعة دستورية جديدة.
إنّ هذه النّقلة النوعية التي جاء بها التعديل الدستوري لعام 2016، تشكّل منطلقا جديدا في تحديد مركز ودور مجلس الأمة في العملية التشريعية، فكيف يا ترى يتم تفعيل هذه الأدوات والتقنيات المكرّسة دستوريًا حديثًا في المجال التشريعي؟ وما هي انعكاساتها على الحياة البرلمانية في الجزائر؟
إنّ الممارسة البرلمانية في قبيل الأيام كفيلة بالإجابة عن مجمل هذه التساؤلات أو التصورات الجديرة بالتأمل والبحث والتحليل العلمي في حقلي القانون والعلوم السياسية.
«انتهــــى»

الايميل: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19475

العدد 19475

الإثنين 20 ماي 2024
العدد 19474

العدد 19474

الأحد 19 ماي 2024
العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024