موقف فرنسي أكثر جدية

الشراكة الاستراتيجية لا تبنى في أجواء الغموض والتردد

أمين بلعمري

في كل مرة تظهر فيه مؤشرات إيجابية على طريق الدفع بالعلاقات الجزائرية - الفرنسية وفق مبدإ الاحترام المتبادل والتعاون المثمر الذي يعود بالفائدة على الشعبين الجزائري والفرنسي في إطار معادلة (رابح- رابح)، تطفو إلى السطح بعض المعكّرات التي تعرقل هذا المسار، المنتظر منه توسيع التعاون ليشمل عديد المجالات من أجل بناء شراكة استراتيجية تعكس الإرادة السياسية المعلنة من الطرفين في أعلى مستوياتها لكي لا تختصر في مبادلات تجارية مختلة يستفيد فيها طرف على حساب آخر وهذا من المآخذ على السلطات الفرنسية التي لم تقدم تصورا شاملا للعلاقات بين البلدين تأخذ فيه الشراكة السياسية مكانها اللائق لتمهد الطريق أمام تبنّي البلدين لرؤى ومواقف متطابقة حيال مختلف القضايا الدولية والعمل جنبا إلى جنب للمساهمة في استقرار ضفتي المتوسط من خلال تغليب منطق الحوار والتعاون على إيجاد حلول سياسية سلمية لمختلف الأزمات الدولية.
إن فرنسا مطالبة اليوم بإبداء موقف حاسم فيما يتعلق بالذي تريده من الجزائر، حيث انه لا يمكن الاستمرار على وتيرة (خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء).
ومن منّا لا يتذكر أنه في خضم وضع اللمسات الأخيرة على توقيع اتفاق الصداقة بين الجزائر وفرنسا سنة 2005 والذي تأخر بـ11 سنة، بعد أن طلع علينا البرلمان الفرنسي بمناقشة مشروع قانون 23 فيفري الذي يمجّد الاستعمار في محاولة للقفز على التاريخ، رغم أن هذا الأخير - أي التاريخ - يعتبر من المحددات الرئيسة التي تنبني على ضوئها العلاقات بين البلدين، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال تصور بناء علاقات ثقة وتعاون بين البلدين دون اعتذار فرنسا الرسمية عن ماضيها الاستعماري في الجزائر وليس من أجل تضميد جراح توارثتها الأجيال وقد لا تندمل ولكن للتخفيف - على الأقل - من آلام الملايين من النساء والرجال الذين تجرّعوا ويلات التعذيب والإهانة وكابدوا الممارسات اللاّإنسانية بجميع أشكالها ولا يمكن اليوم، بل من العار مطالبتهم بالنسيان، في حين أن كل شيء بداخلهم وعلى أجسادهم وحتى حولهم يذكرهم بتلك الكوابيس المرعبة والرهيبة.
إن ما تقدم ذكره لا يندرج في منطق الحقد أو ينمّ عن مشاعر الكراهية، لكن إنصافا للتاريخ الذي لابد أن يأخذ نصيبه إذا أردنا بناء علاقات متينة ومستدامة. وهنا تحضرني إحدى تصريحات الرئيس الراحل هواري بومدين - رحمه الله - عندما قال لأحد الرؤساء الفرنسيين إن: “بين الجزائر وفرنسا أنهار من الدماء وجبال من الجثث ولكن رغم ذلك فإننا مستعدون لقلب الصفحة وليس تمزيقها”.
إن المجهودات التي يبذلها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند منذ انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية سنة 2012 - وإن تبقى غير كافية - فإنها تستحق الإشادة، سيما تلك المتعلقة بالعمل على ترميم العلاقات بين البلدين بسبب الضرر الذي لحقها في عهد ساركوزي، الذي لم يتوان منذ الوهلة الأولى لانتخابه على إطلاق العنان لحقده وعدائه غير المبرر ضد الجزائر، تجلى ذلك بوضوح عبر تصرّفاته غير الإيجابية ولا المسؤولة وتصريحاته والعاملين معه على غرار ما قاله كوشنير عن جيل الثورة... إلخ. وليت ساركوزي اكتفى بالتصريحات، بل المساس بأمن الجزائر واستقرارها، عندما تدخل عسكريا في ليبيا وأغرقها في الفوضى.
أما ما يخص المصالحة مع التاريخ، فإن الأكيد أن الرئيس فرانسوا هولاند كسر الكثير من الطابوهات والعقد التي لاتزال تحدد سلوكات الكثير من المسؤولين الفرنسيين حيال التاريخ الاستعماري في الجزائر، وهي رسائل إيجابية سيكون لها دورها في الدفع بالعلاقات بين البلدين نحو الأحسن ومؤشرات لها دلالتها على أن هناك توجه فرنسي رسمي للاعتذار من الشعب الجزائري.
الأكيد أن زيارة الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس إلى الجزائر، ستخيّم على جدول أعمالها غمامة الحملة غير المبررة التي شنّتها وسائل الإعلام الفرنسية التي استهدفت رمزا من رموز الجزائر وهي مؤسسة رئاسة الجمهورية والكرة في مرمى السيد فالس لإعطاء موقف حاسم، يوضح من خلاله تناقضات المواقف الفرنسية تجاه الجزائر ويكشف من يقف وراء هذه الحملات المبرمجة التي تطلق في كل مرة تعرف فيها العلاقات بين البلدين نوعا من التقدم والانسجام، لأن الكيل قد طفح، فعلاقات الشراكة الاستراتيجية والصداقة المتميّزة لا يمكن بناؤها في أجواء الغموض والتردّد.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025