يعتبرها الكثيرون خطوة مهمة وفاصلة أقدم عليها الشعب الجزائري الذي قرّر ضميره الجمعي على توحيد كلمته حول المصلحة العليا للمجتمع ووحدته والتآمه حول بعضه البعض، لأن الأهم في تلك الفترة إعادة الثقة إلى كل فرد من أفراده بعد عشرية كاملة غاب فيها الأمن والاستقرار.
أعطت المصالحة الوطنية بُعداً جديداً للمجتمع وكشفت عن وحدة جوهرية داخله تقف في وجه أي محاولة لكسر كينونته التي يمتد جذورها إلى عمق التاريخ الإنساني الذي أدرك منذ أن وطأت أقدامه الأرض، انه لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن أقرانه، لذلك كانت الحكمة تقضي البحث عن الأسباب التي تمكن الشعب الجزائري من العودة إلى الواقع الاجتماعي، قبل سنوات التسعينيات، ليستطيع الإبقاء على تواجده الاجتماعي وسط الأمم.
جاء في أول سطر من ديباجة المشروع من أجل السلم والمصالحة الوطنية إن تاريخ الـجزائر سلسلة من النضالات الـمتعاقبة التي خاضها شعبها ذودا عن حريته وكرامته، و الرصيد هذا، الـمتكون على مر الـحقب والعصور جعــل من الـجـــزائر أرضا تُرْعى فيها قيـم التسـامح والسلام والـحـوار والـحـضـارة.
هذه القيم نفسها التي جعلت المجتمع يرعى مصلحته العليا ويتوقف عند نقطة أساسية وحقيقة لا جدال فيها هي أن بقاءه في بقاء الأرض ووحدة ترابها وشعبها خاصة وان الجزائر ومنذ تاريخ طويل تعرف بوحدتها الترابية والثقافية والدينية ما يعني ابتعادها عن الطائفية أو النزاعات الدينية، ما سمح بتواجد أرضية مثالية لتحقيق المصالحة الوطنية المبنية على قاعدة أصلها مفاهيم ومبادئ أخلاقية تدخل في صلب التربية التي يتلقاها الفرد في المجتمع وهي مبادئ التسامح، السلم والمصالحة، ما أعطى المصالحة بعدا اجتماعيا جعل الشعب يحتضنها ويصوّت عليها بالأغلبية الساحقة، لأنها تدخل في جوهر المبادئ التي يؤمن بها.
هذا الإيمان الراسخ مكّن المواطن الجزائري وبفضل المصالحة الوطنية إعطاء نفسا جديدا للضمير الجمعي الذي يتوّحد حوله المجتمع، و الذي بُعث من جديد، لأن الكل يساوي الواحد والواحد يساوي الجميع ولن يقصى منها أي أحد كان، ولأن الجميع تنازل من أجل الجزائر. وبعدما كان الأخ لا يثق في أخيه أصبح الأخ يجلس مع أخيه دون خوف وبلا ريبة، وبعدما كان كذلك. ولعل صورة التسامح التي رأيناها في مختلف ولايات الوطن كشفت عن جوهر لا يحيد عنه المجتمع الجزائري وهو التسامح، الذي تبنى عليه العلاقات الاجتماعية بمختلف أشكالها سواء كانت الأسرية أو العامة التي تربط بين الأفراد.
المصالحة الوطنية صنعت للجزائر مستقبلا جديدا، لأن كل فرد من خلال تصويته أراد الإبقاء على لحمة المجتمع وتماسكه لأن الغد يحتاج إلى سواعد متعاونة ومتسامحة، بعيدا عن الضغينة، والنفق المظلم الذي دخله المجتمع كان بحاجة إلى العودة إلى الأصل في تعاملاتنا الاجتماعيةو لنرى أننا بحاجة فقط إلى إظهار بعض الحب والتسامح لنمكن الجزائر من العودة من بعيد.