تجري عملية مراجعة الترسانة القانونية للبلاد بغية تكييفها مع مواد دستور 2016، بفاعلية ملحوظة، حيث صادق البرلمان بغرفتيه على مشاريع قوانين عضوية وعادية، ويستعد لدراسة أخرى خلال الدورة المقبلة، ذات علاقات مباشرة بالممارسة السياسية والديمقراطية.
رافق إفراج رئاسة الجمهورية شهر جانفي من السنة الجارية، على مشروع القانون المتضمن مراجعة الدستور، نقاشا مكثفا حول مضامين الوثيقة والإجراءات الجديدة التي تضمنها، وبعد جلسة المصادقة عليه بالأغلبية الساحقة من قبل البرلمان وتوقيعه من قبل رئيس الجمهورية في 07 مارس 2016، طرحت بقوة مسألة تنفيذ البنود الجديدة وتجسيدها على أرض الواقع، وهناك من قال «أن الجزائر لطالما امتلكت أفضل الدساتير في العالم غير أن المشكلة تكمن في التطبيق».
الحكومة وباعتبارها المبادرة باقتراح أغلب مشاريع القوانين، لم تنتظر طويلا، وسارعت في تكييف أهم النصوص مع الدستور الجديد خاصة تلك المتعلقة بالحياة السياسية والاقتصادية والحريات، وعقد البرلمان جلسات ماراطونية شهر جوان المنصرم لمناقشتها والمصادقة عليها.
واحتلت وزارة الداخلية صدارة المبادرين بمشاريع القوانين، حيث باشرت مشاورات واسعة لإعداد المراجعات اللازمة للقانون العضوي المتعلق بتنظيم الانتخابات الصادر 2012، كي يستوفي القواعد الجديدة المحددة في الدستور، على غرار وضع القوائم الانتخابية في أيدي المترشحين خلال العملية الانتخابية، تكريسا للشفافية، وجرت المصادقة عليه خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وخلال نفس الجلسة، تمت المصادقة على مشروع القانون المنشئ للهيئة العليا لمراقبة الانتخابات التي نصت عليها المادة 194 من الدستور، حيث أدرجت كاستجابة لمختلف الأطياف السياسية، وتضم 410 عضو إلى جانب رئيسها المعين من قبل رئيس الجمهورية بعد استشارة الأحزاب السياسية.
وكيف البرلمان، القانون العضوي المنظم لعمل المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعلاقتهما مع الحكومة، والذي عرف إدراج العهدة التشريعية الواحدة لمدة 10 أشهر، بدل عهدتين وتعويض اصطلاح «برنامج» عمل الحكومة بـ»مخطط» عمل الحكومة.
وتعتبر التغييرات المدرجة على هذه النصوص، امتدادا لسلسلة الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية، وتهدف إلى تعميق المكاسب الديمقراطية وإنعاش العمل السياسي بإعطاء دور أكبر للمعارضة البرلمانية وإشراكها في مناقشة قضايا حساسة من خلال إخطار المجلس الدستوري والمشاركة في الدبلوماسية البرلمانية.
على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، تتحدث المادة 43 من الدستور على حرية الاستثمار وتنص في فقرتها الثانية على أن «تعمل الدولة على تحسين مناخ الأعمال، وتشجع على ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة للتنمية الاقتصادية الوطنية».
وتنفيذ لهذا المبدأ، صادق البرلمان بغرفتيه أواخر جوان، على مشروع القانون المتعلق بالاستثمار، والذي نص على التسيير الاقتصادي لملفات الاستثمار بدل الإداري وتحديد آليات العلاقة بين المؤسسات العمومية والخاصة وإعطاء المرونة للاستثمار الأجنبي والدفاع عن المصالح الاستراتيجي للبلاد في من خلال الإبقاء على قاعدة 51-49 في القطاعات الكبرى.
وستكون الهيئة التشريعية بدء من العهدة المقبلة على موعد مع، عدة مشاريع قوانين مرتبطة بشكل مباشر بالدستور، وعلى رأسها القانون التمهيدي المحدد لقائمة المسؤليات العليا في الدولة والوظائف السياسية التي يشترط لتوليها التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها، الذي صادق عليه مجلس الوزراء في اجتماع الأخير برئاسة رئيس الجمهورية.
ويبدو من خلال توجه الحكومة، أنها بداية تطبيق الدستور الجديد انطلقت بمراجعة المنظومة القانونية وإصدار النصوص الجديدة، ليتم بعدها تنصيب مختلف الهيئات الاستشارية المنصوص عليها، على غرار المجلس الأعلى للشباب وهيئة البحث العلمي والتكنولوجي.