السفــاح بابـــون أمـر بقتـل الجزائريــين
17 أكتوبر 1961 ليست الجريمة الوحيدة التي ارتكبها المحتل الفرنسي، في حق الشعب الجزائري إبان حرب التحرير، بل سبقتها مجازر الثامن ماي 1945 عبر القصف بالدبابات والطائرات، قتل خلالها الآلاف من الجزائريين العزل، وهي جريمة ضد الإنسانية وجريمة دولة لا تسقط بالتقادم، وحرب دموية حقيقية. هذا ما أكده نور الدين أمير خبير باللجنة الأممية لمكافحة كل أشكال التمييز داخل الأمم المتحدة، لدى نزوله أمس، ضيفا على جريدة “الشعب”، مشيرا إلى أن فرنسا تعترف بوجود انتصار سياسي للوفد الجزائري ولا تقر بانتصار عسكري.
أوضح نور الدين أمير أن الدولة الفرنسية وعضو في الأمم المتحدة كانت ترى في اندلاع الثورة الجزائرية أنها ليست حرب تحرير، قائلا أن 17 أكتوبر 1961 ليست الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية بالجزائر، بل هناك جرائم عديدة ارتكبتها ضد شعبنا الأعزل خاصة مجازر 8 ماي 1945 بالقصف بالدبابات والطائرات التي قتلت الآلاف في المدن، بعد قيامهم بمظاهرات شعبية من أجل الحرية و الاستقلال خاصة بعد عودة الجنود الجزائريين الذين حاربوا لمصلحة حرية أوروبا وفرنسا، بحكم مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية.
وأضاف في هذا الصدد، الخبير باللجنة الأممية لمكافحة كل أشكال التمييز داخل الأمم المتحدة، أنه برجوع الجنود الجزائريين إلى الجزائر بعد انتهاء الحرب، وجدوا أنفسهم ضد الجيش الذي كان معهم في الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أن فرنسا ترفض الاعتراف بالجريمة التي ارتكبتها في حق المهاجرين الجزائريين في 17 أكتوبر 1961، كونها ترى في اندلاع الثورة بأنها ليست حرب تحرير، وأن المظاهرات هي حوادث حسب مفهوم الإدارة الاستعمارية.
لكن ضيف منبر “الشعب” قال إن هناك أمما رأوا في الثورة الجزائرية التي توسعت خارج الوطن كضرورة لمساعدتها، واعترفت الكثير من الدول لاسيما دول العالم الثالث بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وأرسوا علاقات دبلوماسية مع هذه الحكومة التي كانت تمثل جبهة التحرير الوطني والشعب الجزائري، كما أن بعض البلدان الغربية قبلوا بإنشاء مكاتب لجبهة التحرير الوطني في بلدانهم مثل إيطاليا، ألمانيا، انجلترا، مضيفا أن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية حين سافرت إلى “أكرا” عاصمة غانا لحضور حفل استقبال رسمي، طلبت من الحكومة الغانية رؤية ممثل الجزائر بغانا الفقيد توفيق بوعتورة.
وبالمقابل، أوضح أن المحتل الفرنسي لم يعترف باتفاقيات ايفيان كاتفاقيات دولية منذ بدايتها إلى نهايتها، وكان يرى في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بأنها لا تستطيع تسيير الأمور في دولة جزائرية شرعية، و حسب تحليله القانوني فإن اتفاقيات ايفيان كانت بين دولة ومنظمة تحرير و هذا لا يندرج ضمن الاتفاقيات الدولية، وليكون ضروري ينبغي على الأمم المتحدة تسجيل الاتفاقيات لتصبح دولية ويعترف بها.
وفي هذا السياق، أشار الخبير الأممي أن فكر فرنسا الاستعمارية بعد اتفاقيات ايفيان لا يقر بالانتصار العسكري للطرف الجزائري، لكن يعترف بوجود انتصار سياسي للشعب الجزائري، كما أن الجنرال شارل ديغول كان يدرك أنه ضروري إنهاء الحرب، كونها أدخلت فرنسا في حرب مدنية بين الفرنسيين، وكي تسمح لها بأن تصل إلى قوة عظمى ومواصلة مشروعها النووي، وحسبه فإن الجزائر تعبت من الحرب وضروري إيصال نفسها إلى الهدوء من أجل شعبها.
وتأسف أمير الحديث عن الحرب بعد 60 سنة، والأوساط الاستعمارية ما يزالون يلعبون دورا في ذلك، والذين يحنون إلى الحقبة الاستعمارية وينظرون إلى الجزائريين على أنهم أجانب استولوا على أرضهم ونحن أخرجناهم منها، والعكس أنها أرضنا اغتصبت، وموازاة مع ذلك أشار ضيف “الشعب” إلى نقطة وهي محاولة فرنسا خلق صراع آخر بين الجزائريين وهو تعمدها بترك ملفات الحركى في أحد الفيلات على الحدود الجزائرية التونسية، والتي عثر عليها جنود جيش التحرير الوطني وكان من ضمنهم نور الدين أمير، كي يقوم جيش التحرير بالانتقام منهم، لكن فطنة قادة الثورة جعلتهم يضعون الملفات في الأرشيف ولا يسمح لأحد بفتحها.
وأضاف أن هذا ما دفع فرنسا بعدم قبول تسجيل 17 أكتوبر 1961، كجريمة دولة لأنها ولحد الساعة لا تعترف بأن ما جرى في الجزائر كانت حربا بين فرنسا والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، مؤكدا أن محافظ الشرطة الفرنسية السفاح موريس بابون، أمر بقتل المهاجرين الجزائريين باسم الدولة الفرنسية التي تدعي حقوق الإنسان، ولابد على فرنسا الاعتراف بأن 17 أكتوبر كانت حربا دموية حقيقية.
ويرى الخبير باللجنة الأممية، أنه ينبغي الذهاب إلى مفاوضات سلمية كون المشكل حساس، قائلا أنه سيحين الوقت لتظهر الحقيقة وتطرح دوليا، لأن عائلات الضحايا الذين ألقي بهم في نهر السين سيتكلمون عن شهدائهم الذين ماتوا من أجل الشرف، كما أن الجيل الجديد من الفرنسيين الذين ليس لهم علاقة مع الحرب في الجزائر سيعترفون بما ارتكبه أجدادهم، مضيفا أن من لا يتذكر ماضيه ليس له حاضر ولا مستقبل، وأن الجزائر لها ماضي هو درس دائم لشعبها.