”لا أتكلم العربية”!؟...

فتيحة كلواز

 من منّا لم يتساءل يوما عن السبب الذي يجعل كل معتد باللغة العربية يشعر بالدونية، لأنه فقط يتكلم لغة الضاد التي حاول الاستعمار بكل قوته طمسها ومحوها وسلخها من الهوية الجزائرية، التي أبت إلا أن تكون عربية أمازيغية.

لكن سنوات الاستقلال، ورغم كل الجهود المبذولة، بقيت، في مكان ما، النظرة الدونية لهذه اللغة وأصبح متحدثها رجعيا، وإن أراد الخروج من هذه الدائرة الضيقة عليه أن يفكر بالعربية ويتحدث بالفرنسية، لأنها السترة التي يحبها الكثير من المستمعين، خاصة وسط النخبة، عكس ما نراه في دول أخرى، فهم وإن وصل عندهم العلماء إلى مراتب عالية من التصنيف العالمي، تجده يتكلم العربية إلا في حالات نادرة.
ربما لأن التيار الفرنكوفوني عندنا أقوى أو ربما هو إعلان صريح لعجز الإدارة والسلطة عن فرض اللغة العربية كلغة رسمية للدولة. فأينما توجهت ترى الحرف اللاتيني يتغلب على الحرف العربي، فحتى عند الخضار يكتب “دج” بالحروف الفرنسية وكأنها اللغة الأم التي يفهمها الجميع. ولعل جرأة البعض في الحديث عن التدريس بالدارجة، دليل قوي على ما يراد للغة العربية في الجزائر.
استرجع اليوم موقفا آلمني كثيرا، كان واقعا يعكس ما تعانيه اللغة العربية من رفض. فمنذ سنتين تقريبا، توجهت إلى المركز الثقافي “عيسى مسعودي” للإذاعة الوطنية لتغطية نشاط خاص باليوم العالمي للمعوقين، المصادف لـ3 ديسمبر. هناك توجهت بسؤالي إلى مديرة إذاعة جهوية، فبعد التعريف بشخصي، طرحت سؤالي بالدارجة حتى لا أقع في حرج معها، لكن رغم ذلك كانت إجابتها صادمة بالنسبة لي، لأنها قالت بالحرف الواحد وباللغة الفرنسية: “أنا لا أتكلم العربية”. كان ردها بالنسبة لي استفزازيا، فما كان منّي سوى الانسحاب، لأنني لا أريد أن أترجم سؤالي، لأنه سيكون إهانة بالنسبة لي، فهي خريجة المدرسة الجزائرية... ربما هي ترى قيمتها في الحرف اللاتيني وهذا حال الكثيرين، لكن ضعف المدافعين عن اللغة العربية هم من جعلوا أمثالها يتجرأون على اللغة الرسمية للدولة التي جعلت منها إطارا مدافعا عن رموز السيادة الوطنية وهويتها.
أتذكر أنني في تلك اللحظة تساءلت في نفسي وقلت: “أيموت الشهداء وتسيل دماؤهم منذ أن داست أقدام المستعمِر هذه الأرض الطيبة في سنة 1830 لإعلاء الهوية الجزائرية التي لن تكون مفصولة عن العربية، لأنها جزء من حضارتها وتاريخها... سدًى؟؟”، لا وألف لا، لأن الكلمة الأخيرة وإن لم يعِ البعض ستكون للجزائر ولا أحد غيرها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19474

العدد 19474

الأحد 19 ماي 2024
العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024