قطاع الفلاحة والصيد البحري تحت المجهر

تراجع إنتاح الحبوب والمتهم «الجفاف» ومكملات غذائية تفسد «لحوم العيد»

زهراء. ب

تأجيل رفع الحظر عن صيد المرجان للعام الثالث

تعثر قطاع الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، سنة 2016، في مسعى رفع إنتاج المحاصيل الاستراتيجية على غرار «القمح بنوعيه». أما «اللحوم الحمراء» فقد اهتز القطاع على «فضيحة» أضاحي عيد «زرقاء» أجهضت فرحة استكمال الاحتفال بهذه الشعيرة الدينية، وهو ما أبان عن هشاشة أسواق المواشي التي مازالت تحت «رحمة» السماسرة وتجار المناسبات. وطفت في خريف السنة، أزمة حليب «الأكياس» إلى السطح، دفعت الجزائري إلى الوقوف لأيام في طوابير طويلة للظفر بكيس واحد، بسبب ندرة «مفتعلة» من المنتجين. وفي وقت كان ينتظر فيه «رفع الحظر» عن صيد المرجان، بعد 15 سنة من الغلق، لتنويع مصادر الدخل خارج قطاع المحروقات، استمر الغلق للعام الثالث على التوالي منذ إعلان الحكومة نيتها عن فتحه للمهنيين مجددا، بحجة عدم استكمال إعداد النصوص القانونية المقنّنة للنشاط. أما السردين «غذاء الفقراء» فقد بات حلما بعيد المنال، بعد أن فاقت أسعاره كل التوقعات.

تراجع إنتاج الحبوب في الجزائر سنة 2016، أكثر المواد استهلاكا، إلى 33 مليون قنطار، في الوقت الذي دعت فيه السلطات العليا للبلاد إلى التركيز أكثر على تنمية وتطوير هذه الشعبة الحيوية، كونها تستهلك أكبر ميزانية من الخزينة العمومية، نتيجة ارتباط الجزائر بالأسواق الخارجية، خاصة الأوروبية، لضمان «قوت الجزائريين».
وبحسب آخر إحصائيات، فقد ارتفعت الكميات المستوردة من القمح والشعير والذرة في 10 أشهر الأولى لسنة 2016، لتصل 11.28 مليون طن. والحبوب التي عرفت ارتفاعا في الكميات المستوردة هي القمح الصلب 1.6 مليون طن مقابل 1.27 مليون طن السنة الماضية، أي بزيادة 25.2 من المائة، والشعير 767.734 طن مقابل 667.819 طن أي بزيادة 14.96 من المائة، عكس القمح اللين والذرة.
وتبرر الوزارة الوصية انخفاض إنتاج الحبوب، أكثر المواد استهلاكا في الجزائر، في كل مرة بتأثير العوامل الطبيعية، ويتحول «الجفاف» و»الجليد» إلى شماعة تعلق عليها إخفاقاتها في رفع مردود هذه الشعبة، مثلما حدث هذه السنة، فتأخر تساقط الأمطار أحدث اضطرابا ليس بين المسؤولين المحليين والمركزيين، لكن وسط المنتجين أنفسهم، الذين فوّضوا أمرهم لله، في انتظار ما تجود به السماء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وتأخرت أمطار الغيث ومعها تضررت مساحات واسعة من المزروعات، سيما بالجهة الغربية وبالولايات الأكثر إنتاجا للحبوب، على غرار تيارت، تيسمسيلت، وبتبسة بالجهة الشرقية. والنتيجة كانت واضحة في نهاية موسم الحصاد، كميات لا تكاد تغطي طلب نصف الساكنة. لكن ما يدفع للتساؤل، إلى متى يبقى الإنتاج الفلاحي، رهين التساقطات المطرية؟ وهل عجزت الوصاية عن إقناع الفلاحين بضرورة استعمال السقي التكميلي لتحسين وتطوير الإنتاج، وهي العاكفة على تنفيذ مشروع توسيع المساحات المسقية إلى (2) مليوني هكتار آفاق 2019. فأرقام وزارة الموارد المائية تشير إلى أن 50 من المائة من الفلاحين يفضلون السقي التقليدي، والغالبية العظمى تنتظر ما تجود به السماء لنمو الزرع، وهو ما يبقي الإنتاج المحلي مرتبطا بما تجود به السماء، فيرتفع بارتفاع تساقط الأمطار ويتقلص بانخفاضها، وينعدم في حالة الجفاف، ما يفرض على الوصاية اليوم البحث في الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية التي تمنع توسيع المساحات المسقية. ففي أغلب الأحيان تظهر الأسباب بسيطة، لكنها معقدة. فمثلا، ببعض الولايات هُيّئت مساحات واسعة، لكن لم تأخذ الوزارة بعين الاعتبار أن تلك المناطق لا تتوفر على الفلاحين الذين يستطيعون استعمال المياه لإنتاج منتوجات أخرى، بسبب عدم امتلاكهم المعرفة أو ثقافة تجعلهم يمرون من نظام إنتاجي إلى نظام آخر، في وقت لا تستطيع إلزام الفلاحين بتغيير طرق الإنتاج. وفي بعض الولايات، يوجد الفلاحون ولكن لم يتم تهيئة المساحات. بالمقابل يطرح الكثير من المهنيين مشكل غياب ضمان توفير المياه عند الحاجة لها، خاصة في فصل الصيف، حيث يصطدم البعض برفض منح رخص استغلال المياه، بحجة توجيهها لتلبية طلب السكان خلال هذه الفترة.

أضاحي عيد «مغشوشة» وأزمة حليب «أرقت» الجزائريين

تلقى الجزائريون، أسابيع قبل حلول عيد الأضحى المبارك، تطمينات من وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري عبد السلام شلغوم، بتوفير أضاحي العيد بأعداد كبيرة وبأسعار معقولة، وهم الذين تعودوا على اقتنائها بأثمان باهظة بسبب المضاربة. وعكفت الوزارة، كما جرت عليه العادة، على تخصيص مناطق لبيع المواشي بالولايات الكبرى، وضعتها تحت «أعين» بياطرة، جندوا لضمان أضاحي عيد «سليمة» خالية من الأمراض. وبيعت «الكباش» بأسعار أثلجت صدور «الطبقة المتوسطة» خاصة، لكن سرعان ما تحولت تلك التطمينات إلى «صدمة» أيقظتهم في ثاني يوم من العيد، بعد أن فاحت من الأضاحي رائحة كريهة وتغير لونها إلى «الأزرق» و»الأخضر» أجهضت فرحة استكمال الاحتفال بالشعيرة الدينية، وسط تساؤلات واستفهامات أجابت عليها تحقيقات مصالح الدرك الوطني والشرطة، بعد أن استنجدت بهما وزارة الفلاحة لتحديد أسباب «الظاهرة الغريبة» والأولى من نوعها، ليتبين أن تعفن لحوم أضاحي العيد كان بسبب جرعات زائدة من المكملات الغذائية قدمت مع الأعلاف لعدد من رؤوس المواشي بهدف تسمينها، وهي ممارسات «قذرة» لا يتوانى المضاربون في استخدامها بعيدا عن رقابة الجهات المختصة.



ولم تسلم شعبة «اللحوم البيضاء» من
الخطر سنة 2016، حيث تسبب مرض «نيوكاسل» في نفوق كميات كبيرة من الدجاج في مناطق عدة في الجزائر، وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر الدجاج إلى مستويات قياسية، ما زاد من الضغوطات على المستهلكين، خاصة ذوي الدخل البسيط، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 600 دينار، كما ارتفع ثمن البيض إلى 15 دينارا للواحدة في عدد من مناطق، ما ضاعف معاناة المواطن الذي اضطر إلى دفع 1000 دينار لاقتناء دجاجة واحدة، وعزف البعض الآخر عن شرائها إلى إشعار لاحق.
لم تكد تمر «صدمة» لحوم العيد، حتى استيقظ الجزائريون على «انعدام» حليب الأكياس بالمحلات التجارية، وهذه المرة بسبب أزمة قيل إنها «مفتعلة» من قبل المنتجين، بعد تضييق الرقابة عليهم، ليلجأ هؤلاء إلى تقليص كميات الإنتاج وهو أسلوب يستعملونه ورقة «ضغط» لدفع الوصاية للتراجع عن قراراتها وإن كانت على صواب. وتقاذف الطرفان التهم بينهما، فالوصاية تراهم «يغشون» لأنهم يحولون «غبرة الحليب المدعم» إلى مشتقات الحليب بدل «حليب الأكياس»،


وهم ينفون ذلك، رغم أن «حليب الأكياس» أصبح عبارة عن «ماء ملون بطعم الحليب»، ويبررون قرارهم بتقليص حصصهم من «بودرة الحليب»، ليجد المواطن نفسه في كل مرة ضحية، يدفع فاتورة عدم التزام المنتجين بالقوانين، و»تراخي» المسؤولين في ضبط الشعبة، بالوقوف في طوابير طويلة لأيام وأحيانا لأشهر للظفر بكيس الحليب «المقدس» في كل عائلة.
رفع الحظر عن صيد المرجان إلى إشعار آخر
رغم أن الظرف الاقتصادي والمالي الذي تمر به الجزائر يحتم على القطاعات الاستراتيجية تشجيع الاستثمار في مجالات أخرى غير قطاع المحروقات، لضمان مداخيل جديدة من العملة الصعبة للخزينة العمومية، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه المهنيون بقطاع الصيد البحري رفع الحظر عن صيد المرجان بعد 15 سنة من الغلق، إلا أن منع ممارسة هذا النشاط استمر للعام الثالث على التوالي، رغم إعلان الوصاية نيتها في فتحه مجددا للمهنيين، منذ سنة 2014، دون أن يتجسد هذا القرار على أرض الواقع، بسبب التأخر في إعداد النصوص القانونية المسيرة له، وهو ما حرم الخزينة العمومية من مداخيل إضافية بالعملة الصعبة، وترك المجال مفتوحا لمواصلة استنزاف هذه الثروة بطريقة غير شرعية وتحت أغطية متنوعة، ولولا يقظة مصالح الأمن لكان حجم الخسائر أكبر، خاصة وأن مافيا التهريب طورت من أساليبها.
كانت وزارة الصيد البحري، قبل إدماجها مع قطاع الفلاحة، قد قطعت أشواطا مهمة في إعداد الترسانة القانونية التي تعيد ضبط ممارسة هذا النشاط، حيث عدلت قانون الصيد الجديد منذ أكثر من سنة وأصدرت بعض النصوص والمراسيم المقنّنة لنشاط صيد «الذهب الأحمر»، على غرار المرسوم التنفيذي رقم 14-373، المتعلق بإنشاء الوكالة الوطنية للتنمية المستدامة للصيد البحري وتربية المائيات التي حدد مقرها بولاية الطارف وأوكلت لها مهمة معرفة الموارد المرجانية وتقييمها وضمان متابعة استغلالها وتنفيذ دفتر الشروط المتعلق باستغلال المرجان وكذا ترقية النشاطات ذات الصلة بالمرجان.
كما تم استحداث تكوين في الغطس المهني، بغرض تحسين عملية تأطير الصيد وتنظيم ومتابعة نشاطات صيد المرجان، يسمح للغطاسين، بمن فيهم الهواة أو الرياضيون باكتساب شهادة مهنية لغرض استغلال الموارد البيولوجية البحرية. وقد تم تحديد شروط الالتحاق بهذا التكوين في القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 30 سبتمبر 2014، وشرع في تكوين أول فوج بعد الاستنجاد بخبرة جزائري كان مقيما في الولايات المتحدة الأمريكية.
«دقلة نور» تفتك الاعتراف العالمي
بعد مخاض عسير وعمل ماراطوني، انطلق منذ 2014، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، استطاعت «دقلة نور طولقة» افتكاك الاعتراف العالمي، فتحصلت قبل نهاية 2016 بأيام، على علامة المؤشر الجغرافي، التي تمكنها من دخول الأسواق العالمية، دون شروط وإملاءات، وتحميها من عصابات التهريب، التي ماانفكت تروج هذا المنتوج الجزائري بعلامة دول الجوار، بعد تغليفه وتعليبه في شكل جذاب.
يمنح هذا الإجراء قيمة مضافة للمنتوج الجزائري وأفضلية عند التسويق نحو الأسواق الخارجية، وهو ما يضع المنتجين الجزائريين في «أريحية»، لكن يفرض عليهم تنظيم صفوفهم أكثر، لتقديم المنتوج «النوعي» في ثوب يليق به، أمام المنافسة الشرسة لأسواق دول الجوار، الذي باتت تملك الخبرة والتجربة في تسويق مثل هذا النوع، ورفع قيمة صادرات الجزائر منه، خاصة وأن أرقام وزارة التجارة تشير إلى تصدير كمية ثابتة منذ سنوات تقدر بـ28 ألف طن سنويا، ما يعادل 3 من المائة من المنتوج الموجود في الأسواق العالمية، في حين الكمية الباقية توجه للاستهلاك الداخلي، أي «نأكل» أكثر مما «نصدر».


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024