ثقافـــــــة المستهلـــــــك إشكاليـــــــة مطروحـــــــة
خيّم هاجس ندرة المواد الغذائية والواسعة الاستهلاك والاستعمال على احتفالات السنة الجديدة على نفسية الجزائريين، تأثرا منهم بما روّج عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عن إضراب عام للتجار عبر الوطن، شُرع فيه ببعض الولايات، على غرار بجاية وتيزي وزو والبويرة مرورا بجيجل، احتجاجا على ارتفاع الأسعار وبسبب الرسوم الضريبية التي أقرّها قانون الميزانية، فانعكس ذلك على سلوكاتهم الاستهلاكية خوفا من امتداد الظاهرة إلى مختلف الولايات بما فيها العاصمة.
فضّل العاصميون خلال اليومين الأخيرين من السنة المنقضية، التوجه إلى الأسواق لاقتناء حاجياتهم اليومية بكميات كبيرة، في إطار تخصيص ما يسمى بـ “العولة” أو “المولة” تحسّبا لإضراب التجار، الذي روجت له أطراف عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وقالت سيُشرع فيه، اليوم، حيث عرفت مختلف الأسواق الجوارية تهافتا كبيرا للمواطنين وحتى الموازية منها، رغم التطمينات من هنا وهناك.
ويُهيّأ للمتتبع أن الجزائريين يستعدون للاحتفال برأس السنة عند رؤية الكثيرين يتوافدون على محلات الحلويات والمخابز لشراء ما لذ وطاب من المرطبات وكذا حلوى رأس السنة “لابوش”. نفس الأمر لدى المحلات والطاولات التي تعرض فيها الأكلات التقليدية كـ “الرشتة”، “الشخشوشة” وحتى البغرير أو ما يعرف بـ “الغرايف”، فيتم بذلك إضفاء النكهة الجزائرية على احتفالات السنة الجديدة.
غير أن المفارقة تنكشف أمامك بمجرد الاحتكاك مع أحد المشترين في أحاديث مقتضبة، حيث يظهر خوفهم من ندرة المواد الغذائية وهو ما يفسر الطوابير الطويلة على طاولات الخضر والفواكه ومحلات المواد الغذائية لاقتناء الضروريات.
وبحسب التصريحات المستقاة، يتم التركيز على شراء المواد المشبعة والمسمنة التي تكفي لكل العائلة، على غرار السميد والمعجنات، لاسيما “المعكرونة والسباغيتي” والحبوب كالعدس والفاصولياء والأرز، ولم تسلم أكياس الحليب أيضا من ذلك، حيث وصل الأمر بأحدهم لشراء 10 أكياس بغرض تخزينها، ما يطرح مجددا مسألة انعدام ثقافة المستهلك لدى الجزائري، التي تنحصر في جريه وراء إشباع البطن بأية وسيلة.
ولم تسلم من ذلك حتى محطات البنزين ومشتقاته، فالمار عبر مختلف الطرق تسترعي انتباهه تلك الطوابير الطويلة لمستعملي السيارات الذين لجأوا إلى تزويد مركباتهم بملء الخزانات عن آخرها، خوفا من أن تمسّها هي الأخرى دعوات الإضراب التي روّج لها نشطاء التواصل الاجتماعي، لاسيما عبر الفايسبوك وكذا اعتماد نفطال لأسعار جديدة.
في المقابل، أكد بعض التجار في سوق حي 08 ماي 45 وحي 05 جويلية بباب الزوار وكذا السوق الجواري ببرج الكيفان، أنهم غير معنيين بهذا الإضراب، مطمئنين زبائنهم بأنهم سيكونون في الخدمة على سائر الأيام، داعين إياهم إلى التعقل وعدم الانسياق وراء الإشاعات ومن يريد خدمة مصالحه الخاصة، لأن الضحية في كل هذا هو المستهلك.
وكانت كل من الجمعيّة الوطنية للتجار والحرفيّين وفدرالية حماية وإرشاد المستهلك، قد حذرتا التجار من الانسياق وراء ما أسموه “بارونات التموين” أو “التسييس”، ومراعاة مصلحة المواطن والمستهلك في تلبية حاجياته اليومية وضمان الخدمة الأدنى للمستهلكين.
وتتسبب مثل هذه السلوكيات في كل مرة، سواء خلال المناسبات كالأعياد، أو لدى صدور إشاعة حول التذبذب في التزود بمادة استهلاكية ما، بتسجيل خلل بين العرض والطلب وتطرح من جديد مشكلا في ندرة المواد الغذائية، لاسيما الواسعة الاستهلاك، ويطرح في كل مرة مسألة الثقة في الدولة ومصالحها، لاسيما وزارة التجارة وقدرتها على التحكم في القطاع الذي في كثير من المرّات يكشف عن عجز كبير في التحكم في الأسواق.