تواجه الجزائر للعام الثالث على التوالي، المرحلة الاقتصادية الصعبة الناجمة عن انخفاض أسعار البترول في الأسواق الدولية، وترفع معها تحديات عديدة كالتحكم في الاستهلاك ورفع حجم الصادرات للحفاظ على التوازنات المالية، في انتظار انتعاش أكبر لأسعار النفط نهاية السنة.
دشن الجزائريون سنة 2017، على وقع الانشغالات الاقتصادية مثلما كان عليه الحال منذ النصف الثاني لعام 2014، حيث احتلت التدابير التي حملها قانون المالية صدارة اهتمامات المواطنين.
غير أن التحدي الأكبر للبلاد، لا يتوقف عند القدرة الشرائية وكيفية التعامل مع الزيادات التي مست بعض المواد على غرار البنزين، بل يتمثل في الصمود أمام الاهتزازات المالية الناجمة عن فقدان 50 بالمائة من عائدات النفط، ووضع النموذج الاقتصادي الجديد للنمو على السكة الصحيحة.
ولضمان تحكم أكبر في الوضع الاقتصادي، أعلنت الحكومة عن إجراءات أكثر صرامة لخفض فاتورة الواردات وترشيد نفقات التسيير وتشجيع الإنتاج الوطني في مختلف المجالات خاصة الفلاحة والصناعة.
وسيكون قطاع السيارات مرة أخرى أبرز المعنيين بتدابير الحكومة، حيث أعلن الوزير الأول عبد المالك سلال خلال افتتاح الطبعة 25 لصالون الإنتاج الوطني عن « خفض حصة استيراد السيارات في 2017»، داعيا شركتي رونو وهيونداي إلى رفع كمية الإنتاج محليا في مصنعي واد تليلات بوهران وتيارت.
وحددت الحكومة في العام المنقضي حصة استيراد السيارات بـ80 ألف مركبة، ولم تحدد بعد النسبة الأقل هذه السنة، ولا شك أن الأمر سينعكس مباشرة على أسعار السيارات القديمة حيث تشير التقديرات إلى ارتفاعها بحوالي 30 بالمائة، غير أن الحفاظ على احتياطي النقذ الأجنبي يظل فوق كل الاعتبارات.
وحافظت الجزائر على احتياطي الصرف فوق عتبة ال100 مليار دولار، وأكد محافظ بنك الجزائر محمد لوكال عن استكمال 2016 بحوالي 117 مليار دولار، مشيرا إلى ارتفاعه مرتبط بتعافي أسعار النفط وتنامي التصدير إلى الخارج.
ونظرا لارتباط الاقتصاد الوطني بعائدات الذهب الأسود، فإن الأشهر الستة الأولى للسنة الجديدة ستعرف استمرار نفس الصعوبات المالية، على أن يبدأ التحسن التدريجي أواخر النصف الثاني، حيث تشيرا التقديرات إلى التوازن بين العرض والطلب خلال هذه الفترة.
وفي جميع الحالات، لا يجب تعليق آمال كثيرة على السوق البترولية المعروفة بتقلباتها، ولابد من تفعيل النموذج الاقتصادي الجديد على أرض الواقع، تمهيدا لفك الارتباط بالمحروقات سنة 2019.
ويتوقع أن تشرع الجزائر هذه السنة في تصدير الكميات الأولى للأسمنت نحو الخارج إلى جانب تقليص واردات الحديد بشكل معتبر، في انتظار دخول مصنع بلارة بجيجل حيز الإنتاج وتطور استغلال منجم غار جبيلات.
وستدخل البلاد قطاع النسيج من أوسع أبوابه وذلك باستلام مجمع غيلزان (بالشراكة مع الأتراك) حيز الخدمة، وستوجه 60 بالمائة من منتجاته عالية الجودة نحو الخارج.
وسيتعزز قطاع التصنيع المحلي للسيارات، بمصنع للشركة الألمانية فولسفاغن بالمنطقة الصناعية سيدي خطاب بغيليزان، وينتظر دخول علامات أجنبية أخرى هذا النوع من الاستثمارات لكون 2017 آخر فرصة أمام الوكلاء لإنشاء مشروع استثماري طبقا لبنود قانون المالية 2015، وكذا أهمية الجزائر باعتبارها بوابة رئيسية لدخول إفريقيا وأوروبا.
على صعيد آخر، يفترض أن تساهم المؤسسات الوطنية من القطاعين العمومي والخاص، في فرض نفسها في الأسواق الإفريقية تماشيا والطموحات الاقتصادية الكبرى للبلاد وجندت لها كافة التمثيليات الدبلوماسية وسخرت جملة من التحفيزات المتعلقة بالدعم والمرافقة.
ولرفع مناعة الاحتياط الأجنبي من التآكل، تعلق آمال كبيرة على الفلاحة والصناعة والخدمات لتعزيز الأمن الغذائي الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي من عدة منتجات وكذا المنافسة في الأسواق الخارجية لتحصيل العملة العصبة.