بعد انتصاره الاستراتيجي على الإرهاب العالمي

الطائفية: الورقة الجديدة لضرب الشعب الجزائري و انسجامه المجتمعي

أمين بلعمري


فشل الاستعمار الفرنسي وما رافقه من حملات التبشير الصليبي التي لم يقم بها رجال الكنيسة بمفردهم ولكن ساهم فيها ترسانة متكاملة من جهابذة الانثروبولوجيا  وعلم الاجتماع الذين رافقوا الكنيسة ورجالها في مهمة القضاء على عقيدة و قناعات الشعب الجزائري ودفعه إلى اعتناق المسيحية والتخلي عن الإسلام وهذا طيلة قرن وربع ولكن كل تلك الحملات التنصيرية ورغم الإمكانيات الهائلة التي رصدت لهذه المهمة لم يحد الشعب عن دينه الإسلام وعن عقيدة التوحيد وهي العقيدة التي مازال عليها إلى يومنا هذا على مذهب الاعتدال و الوسطية المتمثل في المذهب المالكي السائد عموما في كل دول المغرب العربي.
إن تمسك الشعب الجزائري بهذه المرجعية الدينية الوطنية على مدار قرون هي التي مكنته من إفشال كل محاولات المسخ المركز التي تعرض لها ولا يزال بل بالعكس شكلت القاعدة الصلبة لمقاومة الطغيان ورفع راية الجهاد ضده تكللت بإنهاء حقبة مظلمة تحت نير استعمار استيطاني خبيث لم يكتف بسلب الأراضي والممتلكات و لكن عمل على اجتثاث فكر وعقيدة الشعب والقضاء على شخصيته وهويته ليسهل عليه لاحقا تحويله إلى مجرد أهالي أو مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة في أحسن الأحوال.
إن ثورة نوفمبر المجيدة كانت شاهدا على تمسك الشعب الجزائري بهذه المرجعية التي علمت الثوّار والمجاهدين الجزائريين معنى الجهاد الحقيقي المتمثل في مقاومة العدوان و الظلم والدفاع عن الحرمات والأعراض لأنه هذا هو الجهاد الحقيقي وليس ترويع الآمنين وقتل الأبرياء وممارسة كل أنواع الانحرافات والشذوذ والتخفي وراء مصطلح الجهاد البريء من هذه التصرفات كبراءة الدين الإسلامي الحنيف من العنف والتطرف وكان النبي عليه الصلاة والسلام رسم قبل أربعة عشر قرنا خارطة طريق لمعنى الجهاد الحقيقي  كعنف مقدس يلجأ إليه المسلم مكرها لمواجهة الباطل والظلم حين أمر عليه الصلاة و السلام في غزوة فتح مكة بعدم قطع الشجر فما بالك بإزهاق أرواح الناس ؟.
إن محاولة استهداف مرجعيتنا الدينية الوطنية هي مؤامرة لم تأت من فراغ فالرؤوس المدبرة لهذه المؤامرة الخبيثة أيقنت أن هذه الأخيرة هي سر تماسك الشعب الجزائري وانسجامه المجتمعي  المتواصل على مدار قرون و الذين يعملون على ضرب وتصدع هذا الاسمنت يدركون جيدا أن ضرب وحدة الشعب الجزائري تبدأ من هنا عبر تشجيع القلاقل المذهبية من أجل شرذمة هذا الشعب وفق اعتبارات مذهبية و طائفية آتت مفعولها – بكل أسف- في دول أخرى فأدّت إلى خراب العرق و سوريا و قبلهما لبنان الذي لم يكن خلال الحرب الأهلية التي ألمت به بداية من منتصف سبعينيات القرن الماضي إلا مسرحا لتلك المناكفات الطائفية والمذهبية المتصارعة على الأراضي اللبنانية وكان الشعب اللبناني وقود حروب النيابة تلك واليوم هاهو لبنان أصبح يتم كل شيء فيه وفق الكوطات والتسويات الطائفية والمذهبية.
إن الأطراف التي بثت الخراب في العراق وسوريا وغيرها من الدول العربية هي نفسها التي تحاول بث الفوضى في الجزائر وضرب وحدة شعبها وانسجامه المجتمعي عبر مختلف الطرق والوسائل بداية بإحاطتها ببؤر التوتر والنزاعات على طول حدودها لتوفير المناخ المناسب لتفريخ الفكر الإرهابي وتوافد الجماعات الإرهابية التي أصبحت تنتقل كالنار في الهشيم عبر مختلف بؤر الحروب والنزاعات بشكل لافت ومخيف وأصبحت تشكل أكبر تهديد للسلم والأمن الدولي، ولما كانت المؤامرة الرامية إلى ضرب الجزائر لا تقتصر على هذه المقاربة فهاهي  تتخذ أوجها وأشكال متعددة ومن بينها محاولة ضرب الجزائر هذه المرة في عمودها الفقري المتمثل في مرجعيتها الدينية الوطنية وذلك من خلال تشجيع  مذاهب وعقائد دخيلة على بلادنا وتخصيص مبالغ ضخمة من أجل إغراء الناس بإتباعها وضمان انتشارها بين أوساط المجتمع الجزائري تمهيدا لبث بذور الفرقة و التناحر.
 إن الأطراف التي حاولت إدراج الأحداث التي عصفت بمدينة غرداية في خانة حرب مذهبية بين المالكيين والأباضيين هي نفسها التي تحاول إيجاد موطأ قدم للأحمدية والشيعة والوهابية وغيرها من الطوائف والنحل الدخيلة على مجتمعنا من أجل توفير كل التوابل الأساسية للقضاء على وحدة الشعب الجزائري و ضرب انسجامه المجتمعي و لكن الأكيد أن مرجعيتنا الدينية الوطنية ستجهض كل تلك المحاولات كما أجهضت قبلها كل مساعي الاستعمار الفرنسي لتنصير الشعب الجزائري وصرفه عن عقيدته لما يناهز 130 سنة.
في الأخير تحية إكبار وإجلال لأجدادنا وأبائنا على وعيهم الكبير ويقظتهم وهذا رغم مستواهم التعليمي البسيط  فقد كانت لديهم قاعدة ذهبية مكنتهم من التمسك بدينهم وعقيدتهم لقرون المتمثلة في المثل الشعبي الجزائري الشهير «إذا تخلطوا لديان شد في دينك» بمعنى آخر إذا كثرت المذاهب والطوائف تمسك بمذهب أجدادك وأبائك وما أحوجنا اليوم إلى تفعيل هذه القاعدة الذهبية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19819

العدد 19819

الخميس 10 جويلية 2025
العدد 19818

العدد 19818

الأربعاء 09 جويلية 2025
العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025